كيف يُحوِّل القائد النقد اللاذع إلى منصة للنمو المؤسسي؟!

 

 

 

د. سلام محمد سفاف **

dr.salamsafaf@gmail.com

 

يواجه كل قائد، مهما علا شأنه، لحظات حاسمة تتطلب فيها مواجهة الانتقاد، وغالبًا ما يكون الرد التلقائي هو الدفاع أو الهجوم، مما يحوّل الانتقاد من فرصة للتصحيح إلى مصدر للتوتر ونشوء الأزمات. فكم من شركات كبيرة ضيعت مسارها للتحول لأن قادتها ارتبكوا وغرقوا في "مستنقع الخوف" من النقد؟

وتقدم لنا إليزابيث هولمز الرئيسة التنفيذية والمؤسسة لشركة ثيرانوس مثالًا حيًا عن كيفية التعامل الخاطئ مع الانتقادات، فعندما أسست الشركة، وعدت حينها بثورة في مجال فحوصات الدم باستخدام بضع قطرات من الدم فقط، لتصل قيمة الشركة إلى 9 مليارات دولار في ذروتها.

في عام 2015، بدأ الصحفي الاستقصائي جون كاريورو من صحيفة "وول ستريت جورنال" نشر سلسلة تحقيقات تكشف أن تكنولوجيا الشركة لا تعمل بشكل صحيح، وأن معظم الفحوصات كانت تُجرى على أجهزة تقليدية وليس على جهاز ثيرانوس مع وجود أخطاء خطيرة في النتائج المعملية.

وكان الرد الحاد وغير المتوقع من هولمز بالإنكار الكامل والهجوم الشخصي بدلًا من معالجة الاتهامات؛ حيث هاجمت هولمز الصحفي شخصيًا ووصفته بـ"غير الكفء" و"المضلل"، واستمرت في الظهور الإعلامي مؤكدة أن التكنولوجيا "تعمل بشكل مثالي"، متحدية كل الأدلة. كما حاولت تهديد وتشويه سمعة الموظفين السابقين الذين كشفوا الحقائق.

وجاءت النتيجة كارثية، فقد انهارت الشركة تمامًا وأغلقت عام 2018، وحُكم على هولمز بالسجن 11 عامًا بتهمة الاحتيال الضخم.

هذه القصة أصبحت حالة دراسية كلاسيكية في كيفية تعامل القيادة مع النقد، وكيف أن الهجوم الشخصي على الناقد يزيد من الأزمة، وتبين لنا أن الشفافية هي السور الواقي للسمعة لأن محاولة إخفاء الحقائق تؤدي دائمًا إلى انفجار أكبر، وتحذر من التلاعب بالبيانات فهو الخطيئة القاتلة في عصر المعلومات.

في الحقيقة، إن الانتقاد ليس نهاية الطريق، بل هو جزء متوقع من رحلة القيادة والتحول، ويتوجب على القائد أن يتعامل مع النقد انطلاقًا من القاعدة الذهنية التالية: "عدم الخوف من النقد وعدم الغرق في مستنقع الارتباك والدفاع عن النفس". هذه القراءة الهادئة للموقف تمنع ردود الفعل العاطفية وتفسح المجال للاستجابة الموضوعية.

هُنا يكمن الفرق الجوهري بين القائد المدافع والقائد المحوّل، فالأخير يعرف كيف يستغل النقد كنقطة انطلاق لتعزيز الإنجاز من خلال:

  • الاعتراف بالنقد: يحول القائد النقد حول تأخر مشروع ما أو وجود خلل في خدمة إلى مشاريع عمل ملموسة وهدف واضح يتمحور حول تطوير خدمات جديدة وتقديم التسهيلات عوضًا عن إنكار الانتقاد، خصوصًا إذا وجه للعمل.
  • إظهار النتائج والإنجازات: تستخدم القيادة الذكية النقد كنقطة مرجعية لإظهار التقدم. عندما تظهر النتائج، فإنك تحوّل الانتقاد علنًا من منصة للاتهام إلى منصة للنمو والإنجاز. القائد ذو الخبرة يستمتع بالنقد الموضوعي؛ بل وينتظره أحيانا ليكشف عن إنجازاته قائلًا على سبيل المثال: "صحيح تأخرنا، لكن الوقت الإضافي ساعدنا في رفع الجودة بنسبة 20%".

وأخيرًا.. إنَّ التعرض للانتقاد خاصةً عند الشروع في مشاريع التحول أو تغيير السياسات هو أمر متوقع ودليل على أنك تخطو خطوات فعّالة، وهو فرصة فعالة للتحسين وإعلان الإنجازات، فالقيادة الفعالة لا تعني تجنب النقد؛ بل تعني إجادة قراءته والتعامل معه بذهنية النمو.

وعندما يكون النقد سلبيًا وغير موضوعي، فعلى القائد احتواء النقد بفضيلة الصبر كقيمة أخلاقية وقيادية متذكرًا دومًا أن الشجرة المثمرة هي التي تُرمى بالحجارة.

** أستاذ زائر في الكلية الحديثة للتجارة والعلوم

** وزيرة التنمية الإدارية سابقًا بسوريا

الأكثر قراءة

z