صناعة الفرح.. إعلاميًا!

 

مدرين المكتومية

نعيش حاليًا في زمنٍ تتسارع فيه الكوارث والأزمات، وتتزايد فيه الأخبار السلبية من كل اتجاه بطريقة لا يمكن إيقافها، حتى إنك تشعر بأن هذه الحياة ليست كما توقعتها، ولا هي التي حلمت بها ذات يوم؛ فأصبح الإنسان يعيش تحت ضغطٍ يوميٍّ خانق يسلبه القدرة على الفرح؛ فتجده يعيش تحت وطأة اليأس وكأن الفرح أيضًا مسؤولية أحدٍ آخر، ثم تتبدل الأولويات وتتراجع الطمأنينة، وتزداد فواتير الحياة التي تستنزف الجيب والروح معًا، فيشعر الفرد أنه قد فقد الشغف، وأن كل ما سعى له لا يمكن أن يحصل عليه.

ورغم كل هذا الضجيج القاتم فإن هناك نافذة صغيرة يمكن لنا أن نرى الضوء من خلالها، وهي مهمة وأساسية، إنها نافذة الإعلام؛ فهي التي يجب أن تؤدي الدور الأكبر في تحويل الأشياء من سواد إلى بهجة وفرح وسرور؛ فالدور الملقى عليه كبير.

الإعلام اليوم لا يفتقر إلى الأخبار الجيدة، ولا يفتقر إلى المواضيع المختلفة، بل إنه يفتقر إلى الطريقة والأسلوب في إعادة ثقة الناس بوجود ما يستحق الالتفات والاحتفاء به؛ فإذا ما تحدثنا عن القدوات، لدينا الكثير منها، وإذا ما تطرقنا لقصص النجاح، فهناك عدد لا يمكن تجاهله، وإذا ما تحدثنا عن المشاريع والابتكارات والمبادرات الملهمة، فهي أيضًا كثيرة، ولكنها لا تصل للناس بالطريقة التي يشعرون بها بقيمتها، وإنما تمر مرور الكرام وتعبر عبورًا لا تترك خلفها أثرًا، وهنا بالتحديد تكمن المشكلة، ويبدأ التحدي الأصعب.

الناس اليوم أكثر وعيًا من أي وقت مضى، ولا يمكن أن نتجاهل ذلك، فالمواطن لديه القدرة على الفهم والوعي والإدراك بما له وما عليه، وأيضًا لديه كل الإمكانيات لتحليل وتدقيق كل ما يتم طرحه، ويعرف جيدًا متى يقدم له محتوى حقيقي ومتى يُسحب من أمامه ستار التجميل.

لذلك فإن صناعة الفرح ليست تطنيشًا للواقع ولا تلميعًا أجوف؛ بل هي مهارة مهنية قائمة على تقديم الجانب الإيجابي دون تجاهل التحديات، وهي أيضًا توازن دقيق يحتاج فنًّا قبل أن يحتاج كاميرا وميكروفون وكاتبًا ومقدمًا يجيد فن الكلمة.

نحن نعيش في عالم مليء بالتطورات الصعبة، لكن على هذه الأرض الطيبة، في مدننا وقرانا ومجتمعاتنا، هناك ما يستحق أن يُقال، هناك قصص لأشخاص يعملون بصمت، ومبادرات تغير حياة الآخرين، وإنجازات صغيرة لكنها دافئة تشعر المواطن بأن حياته ليست مجرد سلسلة أزمات.

الإعلام الحقيقي يبدأ من اختيار الوقت المناسب في الإفصاح عن أي معلومة أو تحليل أي مبادرة، ومن قدرته على اختيار المفردة المناسبة والقصة التي تلمس قلب المواطن قبل أن تملأ عينه؛ إذ لم يعد كافيًا للمواطن أن نقول كلماتنا المعتادة: "افتتاح، نظم، دشن، رعى، إلخ.." وغيرها من المصطلحات الرسمية التي لا تتناسب مع توقعات الناس.

إننا بحاجة إلى لغة جديدة تعكس الواقع وتحتضن الإنسان، لغة تصنع الأمل وتزرع الطمأنينة وتقول للناس: رغم كل شيء هناك ما يستحق الفرح.

ولأن الفرح لا يكتمل دون طريقة تفكير صحية، فإن التفكير الإيجابي يصبح عنصرًا موازيًا لكل هذه الجهود؛ فالتفكير الإيجابي ليس تجاهلًا للمشاكل، بل قدرة على رؤيتها من زاوية تسمح بالمرور عبرها لا الغرق فيها؛ فهي أداة داخلية تساعد الإنسان على تجاوز التحديات والصعاب والتمسك بالأمل، والعمل على صناعة مساحة صغيرة من السلام الداخلي وسط الازدحام والانشغال والضغوط الحياتية. فالإنسان الذي يعتني بفكره ويقود نظره نحو المساحات المشرقة يصبح أكثر قدرة على مواجهة مصاعب الحياة التي لا تنتهي.

صناعة الفرح في الإعلام ليست منفصلة عن ذلك، فهي امتداد لطريقة التفكير نفسها؛ فالإعلام الذي يقدم محتوى إيجابيًّا وصادقًا يحرض الناس على التفكير بشكل مختلف، ويجعلهم قادرين على رؤية الجمال رغم التشويش، وعلى الشعور بأن العالم رغم أزماته لا يزال يحمل خيرًا يمكن التمسك به.

وربما نحن جميعًا في انتظار الفرح، لكن الإعلام يستطيع إن أراد أن يقدم جزءًا منه في كل يوم بخبر بسيط وحقيقي يُقال بالطريقة الصحيحة، والإنسان أيضًا حين يتسلح بالتفكير الإيجابي سيعرف كيف يصنع بقية الفرح بنفسه دون انتظار أحدٍ ليصنعه له.

الأكثر قراءة

z