الأمان الوظيفي

 

 

نايف بن خالد القري

في ظل التقلبات الاقتصادية المتعاقبة التي يشهدها أي سوق عمل، تبرُز أهمية نظام الأمان الوظيفي كإحدى الأدوات القانونية والاجتماعية المحورية التي تُوازِن بين حماية حقوق العمال والحفاظ على استدامة الأعمال.

ومع تزايد حالات التسريح التي تطال مئات العاملين سنويًا، أصبح وجود مظلة تأمينية فاعلة ضرورة لا غنى عنها، اخذا في الاعتبار أن مسألة التسريح ليست حالة استثنائية؛ بل أمر وارد في أي سوق عمل، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية المُتغيِّرة التي يمر بها السوق من فترة لأخرى؛ إذ قد تجد بعض الشركات نفسها، رغماً عنها، مُضطرة إلى تقليص عدد موظفيها كخيار صعب لكنه ضروري لضمان استمراريتها وتفادي خطر الإفلاس.

وهنا تبرُز الحاجة المُلِحّة إلى وجود نظام أمان وظيفي فاعل؛ فهو لا يُمثل حماية للعامل المسرّح فحسب؛ بل يُشكِّل كذلك أداة دعم لأصحاب الأعمال؛ حيث يُخفِّف عنهم الأعباء الاجتماعية والمالية المُترتِّبة على قرارات التسريح. ونظام الأمان الوظيفي الفاعل يُعد نظامًا مزدوجَ الفائدة يستفيد منه كلا الطرفين، العامل وصاحب العمل؛ حيث يضمن العامل دخلًا مؤقتًا يُجنِّبه الوقوع في أزمة معيشية مفاجئة، كما يمنحه نظام الأمان الوظيفي الوقت الكافي لإعادة تأهيل نفسه والبحث عن فرصة عمل جديدة، إضافة إلى أن هذا النظام يعزز من ثقته في العمل بالقطاع الخاص، ويُخفِّف من التخوف المرتبط بفقدان الأمان الوظيفي. وكذلك الحال بالنسبة لصاحب العمل؛ حيث يساعد نظام الأمان الوظيفي الفاعل في تخفيف الضغط الأخلاقي والاجتماعي عند اتخاذ قرار التسريح القسري، كما يساهم كذلك في التقليل من احتمالية اللجوء إلى نزاعات قانونية وقضائية مكلفة، إضافة إلى أنه يمنح الشركات مرونة في إدارة الموارد البشرية دون الإضرار بالاستقرار الاجتماعي.

وفي هذا الشأن، يتوجَّب التأكيد على حقيقة جوهرية وهي أنه بالقدر الذي يتعين معه توفير الحماية الاجتماعية للعامل، فإنه يتوجب أيضًا أن لا يُلقى كامل العبء والمسؤولية على أصحاب العمل في هذا الشأن؛ فأصحاب العمل هم عبارة عن كيانات اقتصادية ترتبط استمراريتها بالاستقرار المالي، وفي حال عدم تحقق هذا الاستقرار فإنها ستواجه مخاطر الإفلاس والإغلاق الذي سيترتب عليه حتمًا فقدان كامل العاملين لديها لوظائفهم، ومن ثم فإن عملية تحقيق الاستقرار المالي قد تتطلب من هذا الكيان اتخاذ تدابير لا مفر منها، ومنها تقليص عدد العمال، من أجل حماية نفسها من الإغلاق، وكذلك حماية باقي العاملين لديها من التسريح، وهو الأمر الذي يتوجب عدم تجاهله عند صياغة أنظمة الأمان الوظيفي؛ إذ يتعين أن يكون نظام الأمان الوظيفي متوازنًا، ويخدم مصلحة الطرفين من اجل بناء سوق عمل مستقر.

ونظام الأمان الوظيفي يجب أن لا يقتصر على مجرد منح العامل المُسرَّح راتبًا شهريًا مؤقتًا، وإنما يجب أن يأخذ صورة أوسع، تشمل تقديم خدمات مُسانِدة للعامل المُسرَّح مثل توفير فرص تدريبية له، بما يرفع مؤهلاته وكفاءته ويزيد من فرص حصوله على وظيفة أخرى، كذلك يجب أن تساهم الجهة المشرفة على نظام الأمان الوظيفي في عمليات البحث عن فرص العمل البديلة بالتنسيق مع الجهات المعنية، وذلك لضمان تحصل العامل المسرح على وظيفة أخرى في فترة زمنية معقولة وتخفيف العبء المالي على الحكومة.

وعليه، فإنَّ تعزيز هذا النظام وتطويره بات مطلبًا مُلحًّا، تنشده جميع أطراف علاقة العمل؛ بما يحقق العدالة ويحمي الجميع في أوقات الأزمات.

محام ومتخصص في قانون العمل

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z