عُمان يا وطني

ناجي بن جمعة البلوشي

لا يسعني في يومنا الوطني المجيد، إلا التأكيد على أننا كمواطنين لا نحتفل بتاريخ يُروى؛ بل بروح تُستشعر، وتمشي بين الناس بقوة مطمئنة، راسخة كالجبال، رقراقة كالنسيم الذي يهبّ من سواحل صور وصحار وصلالة.

سلامٌ عليكِ يا عُمان الأُمَّة التي تشعر وأنت تتأملها أنّ التاريخ فيها يمشي على مهلٍ، كأنّه يخشى أن يوقظ جمالًا نائمًا في حضن الجبال، أو عبقًا قديمًا يختبئ بين أروقة الحصون والقلاع احترامًا لمكانتها؛ فعُمان لا ترفع نفسها على أحد؛ بل يرفعها تاريخٌ من الصفاء، وحاضرٌ من الثبات، ومستقبلٌ يُبنى على حكمةٍ تخرج من قلبها كما يخرج الماء من عين، لا تنضب.

عُمان هي الوطن الذي إذا ذَكرتَ اسمه شعرتَ أنّ القلب يزداد نورًا، وأنّ الأرض تزداد رسوخًا، وأنّ للحياة معنى يُعاد كل مرة بمعنى أجمل.

يا سلطنة عُمان يا أمّةّ تُشبه الرجُل الذي لا يرفع صوتَه إلّا على الحق، ولا يمدّ يدَه إلّا بالخير، ولا يعرف من المجد إلّا الذي صُنع بالصبر، وبُني بالرفق، وثبت على كتفي التاريخ بلا صخبٍ ولا ادّعاء، فأنتِ أرضٌ تصون هدوءَها كما يصون العابدُ سكينتَه، وترفع رأسها كما ترفع الجبال قاماتها؛ جبالٌ لو نظرت إليها لظننتها شواهدَ على أن العظمة قد تتجسّد حجرًا، وأن الكبرياء قد يُنقشُ صمتًا.

وفي يومها الوطني.. تتجلّى عُمان في هذا اليوم كأنها سفينةٌ عتيقة، مضت بها الرياح قرونًا، فلم تنكسر لها دفة، ولم يتصدع لها لوح؛ لأن يدًا من لطفٍ الخالق كانت دائمًا تمسك بها من أهوال العواصف العالمية والاقليمية وكأن البحر نفسه يعرف اسمها، فإذا ناداها... ناداها بخشوعٍ.

يا أيّتها العالية كوني كما أنتٍ: ضياءً يتّخذ من ذاته مصدرًا، ووطنًا لا ينحني، ورُقيًّا لا يحتاج شاهدًا.

وإذا كانت قراءتنا لعُمان بهذا الوصف من الكلمات، فإن قراءة المُنجزات فيها بعقلٍ هادئ ستظهر لك صورة دولة مبنية على رؤية واضحة، وإدارة متوازنة، واستراتيجيات تنموية ذكية، صورة دولة تدرك أن القوة الحقيقية ليست في الاستعراض؛ بل في التخطيط طويل الأمد، وتنفيذ المشاريع بطريقة منهجية، وتحقيق التوازن بين مختلف عناصر المجتمع والدولة.

ولو تأملنا اليوم الوطني لوجدنا فيه فرصة لنا للتأمل العقلاني في رحلة التنمية المستمرة، وأنه ليوم تقدير منا لشخصيات وسلاطين الدولة البوسعيدية وكيف ساهموا في وضع أسس قوية، جعلت عُمان دولة مستقرة، قادرة على مواجهة التحديات، ومستمرة في بناء المستقبل على قاعدة المعرفة، والخبرة، والرؤية الواقعية.

لا يمكن فهم الإنجازات التي حققتها سلطنة عُمان في العصر الحديث بمعزل عن الإرث المؤسسي والسياسي للدولة البوسعيدية؛ فقد أرست الدولة منذ تأسيسها قواعدَ الحكم الرشيد، واستثمار الموارد، والحفاظ على التوازن الداخلي والخارجي، وهو ما مهد الطريق لعُمان لتصبح نموذجًا متقدمًا في التنمية المستدامة اليوم.

وفي يومها الوطني.. علينا أن ندرك أيضًا أن عُمان لا تحتاج إلى صخب المظاهر لتُعبِّر عن رسالتها، ويكفي أن نرى طريقة بنائها، وانتظام مؤسساتها، وهدوء خطواتها، حتى يدرك المرء أن هذه الأرض تقوم على منطق قبل العاطفة، وعلى حكمة قبل الاندفاع.

الأكثر قراءة

z