الاحتفالات الوطنية في المدارس.. مشاهد ترسخ الهوية وتعزّز الولاء والانتماء

 

 

◄ باحثون وتربويون لـ"الرؤية": الأنشطة الوطنية تُعيد بناء الذاكرة التاريخية للتعريف بالمنجزات العُمانية

 

الرؤية- إيمان العويسية

احتفلت مدارس سلطنة عُمان باليوم الوطني المجيد في مشهدٍ عبّر فيه الطلبة والمعلمون عن ابتهاجهم بهذه المناسبة الوطنية العزيزة، وقدمت فقرات متنوعة جسدت مشاعر الانتماء والولاء والحب للوطن وقائده المفدى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- إذ تأتي هذه الاحتفالات في إطار الدور التربوي الذي تضطلع به المؤسسات التعليمية في تعزيز ارتباطهم بتاريخ وطنهم وتراثه وقيمه الأصيلة، وغرس روح المسؤولية والمواطنة الصالحة في نفوس الناشئة، وتربيتهم على القيم والأخلاق الحميدة.

وأكد عدد من المختصين والباحثين والمعلمين -في تصريحات لـ"الرؤية"- أن هذه المشاهد المدرسية تمثل أكثر من مجرد فعاليات احتفالية، إذ تُعد مساحة تربوية وثقافية تسهم في ترسيخ الهوية الوطنية وتعزز وعي الطلبة بتاريخ عُمان ومنجزاتها.

ويقول الدكتور يونس بن جميل النعُماني باحث وكاتب في التاريخ العُماني، إن الاحتفالات الوطنية تعد منظومة تربوية متكاملة تحمل دلالات وطنية عميقة، وتؤدي دورًا حاسمًا في تشكيل الوعي الوطني لدى الناشئة، مشيرا إلى أنها تعكس دلالة الوحدة والتلاحم الوطني تحت قيادة وراية واحدة، والتي تتجسد من خلال ترديد النشيد الوطني ورفع العلم العُماني، وإقامة العروض المدرسية والمسيرات الجماعية، وارتداء الزي العُماني التقليدي، كما أن هذه الفعاليات تعد رسالة مباشرة ضد أي مساعي للتفرقة.

ويرى أن الأيام الوطنية تعيد إلى أذهان الطلبة تاريخ عُمان البحري والتجاري منذ حضارة مجان حتى النهضة المتجددة، وهي رموز تقول للجميع: "أنتم امتداد لحضارة عظيمة سبقت الغرب في الملاحة والتجارة".

من جهتها، تقول الدكتورة حنان بنت محمود أحمد، باحثة في الهُوية الثقافية العُمانية، إن الاحتفاء بالمناسبات الوطنية في المدارس يعد ركيزة أساسية في تأصيل مبادئ الهُوية الوطنية وترسيخ الانتماء والوحدة الوطنية لدى الناشئة، موضحة أن الاحتفال بالذاكرة الوطنية العُمانية في 20 نوفمبر من كل عام فرصة متجددة لتجديد العهد والولاء للوطن، واستحضار المشاهد التاريخية والشخصيات العُمانية الملهمة، وتذكير الناشئة بالمنجزات الإنسانية العُمانية العظيمة التي خلدها التاريخ منذ آلاف السنين.

وتشير إلى أن شهر نوفمبر محفور في الذاكرة الجمعية للعُمانيين، إذ اعتاد الطلبة المشاركة في الفعاليات والمهرجانات الطلابية وتقديمهم لوحات تعبر عن حبهم للوطن، مضيفة أن تعليم الطلبة مقومات الهُوية الوطنية وعناصرها يمثل أولوية في محور الإنسان والمجتمع ضمن رؤية "عُمان 2040" المرتبط بالمواطنة والهُوية والتراث والثقافة الوطنية.

وتبين الدكتورة حنان أن هناك علاقة فطرية تجمع المواطن بوطنه منذ الطفولة وتنمو بتأثير البيئة المحيطة به، وللحفاظ على هذه العلاقة لابد من تشجيع الطلبة على المشاركة في الفعاليات الوطنية وممارسة العادات والتقاليد العُمانية الأصلية التي تسهم في إحياء مفردات الثقافة العُمانية، وتعليمهم مبادئ السمت العُماني.  

وتضيف الباحثة في الهوية الثقافية العُمانية، أن المشاهد التاريخية أثبتت مدى حرص العُمانيين على التمسك بهُويتهم الثقافية وإرساء قيم التسامح والسلام ونشر الدين وتعاليمه، فحيثما حل العُماني تاجرا أو مسافرا أو مبتعثا، عرفوا بهُويتهم العُمانية الأصيلة؛ فكان تأثيرهم واضحًا وملموسًا على الغير، لافتة إلى أن ربط المناسبات الوطنية بالبعد التاريخي والموروثات الثقافية بما فيها من تراث مادي وغير مادي يعد من أهم الدعائم التي تقوم عليها هُويات المجتمعات والشعوب.

وتختتم حديثها بالتأكيد على أهمية استمرارية نقل هذه الموروثات للأجيال التي لم تعايش الحدث وإمدادهم بالمعلومات الكافية حول تاريخهم وهُويتهم لخلق جيل واع ومقدر ومعتز بتراثه وتاريخه، وقادر على مواجهة الأفكار الدخيلة وإشكاليات العولمة والغزو الثقافي.

وفي السياق، تقول الدكتورة وفاء بنت سالم الشامسية، أكاديمية متخصصة في أدب الأطفال واليافعين، أن الاحتفالات الوطنية تحمل بُعدًا تربويًا في تنمية الوعي الوطني لدى الطلبة بصورة عملية وحيوية، وتشجعهم على الاعتزاز بمنجزات وطنهم التاريخية والانتماء لها، وتمنحهم مساحة للتعبير عن مشاعرهم بأساليب إبداعية تعزز احترامهم للرموز الوطنية، وتسهم في ترسيخ القيم الأخلاقية والاجتماعية مثل التعاون والانضباط واحترام الآخر، حيث يجد كل طالب دورا ومسؤولية يشارك بها في نجاح الفعالية.

وترى أن هذه المظاهر الاحتفالية ليست مجرد فعاليات مؤقتة، بل هي جزء أصيل من مفهوم التربية الوطنية التي تجسد القيم الوطنية سلوكًا وممارسةً، وتربط بين ما يتعلمه نظريًا في المناهج الدراسية وبين ما يعيشه وجدانيًا من مشاعر الانتماء والولاء للوطن، مضيفة أن تكليف الطلبة بإعداد فقرات إذاعية عن منجزات عُمان، يمكنهم من اكتساب مهارات البحث والاتصال اللغوي، تنمي روح العمل الجماعي بين الطلبة والمعلمين، وتعزز القيم السلوكية الإيجابية مثل التعاون والانضباط وتحمل المسؤولية، وهي قيم تمثل جوهر التربية الوطنية.

من جانبها، تقول فاطمة بنت سالم النوفلية، معلمة فنون تشكيلية بمدرسة نسيبة بنت كعب للبنات (10-12)، أن المدرسة تركز من خلال الاحتفالات على ترسيخ مجموعة من القيم والسلوكيات الوطنية والاعتزاز بالهوية العُمانية عبر مختلف اللوحات الفنية والعروض التقليدية، بما تمنحهم الشعور بالبهجة والولاء وحب الوطن والتمسك بالعادات والتقاليد الأصيلة المتوارثة بين الأجيال.

وتذكر مريم بنت حميد الهنائية، معلم أول جغرافيا بمدرسة أروى بنت عبد المطلب للتعليم الأساسي، أن مشهد الاحتفالات الوطنية في المدارس لها أبعاد تربوية واجتماعية، حيث تسهم بشكل مباشر في تنمية الاعتزاز بالهوية الوطنية وتشبع حاجة الإنسان إلى الانتماء والشعور بالأمان داخل جماعته.

وتوضح أن مشهد الاحتفالات الوطنية تبعث في نفوس الطلبة مشاعر الفرح والسرور، وتزيد من دافعيتهم نحو التعلم والمشاركة الإيجابية والفاعلة في مسيرة التنمية، وتعزز ثقة الطالب بنفسه حين يشعر بأنه جزء من مجتمع يمتلك تاريخًا وإنجازات راسخة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z