فاجعة في ليلة فرح

ناصر بن سلطان العموري

الحادثة التي فجعت عُمان من أقصاها إلى أقصاها في وفاة سبعة مواطنين من أسرة واحدة، في واقعة هزّت مشاعر وأحاسيس كل من سمع بها، فحين تسمع قصص الموت الإجباري تُدهشك بعض القصص إلى درجة البكاء.

حادثة وكأنها فيلم هوليوودي درامي قد صيغت حبكة تفاصيله بسيناريو مؤلم ومفزع في آنٍ واحد.

موت أسرة كاملة جوعًا واختناقًا يشكّل ظاهرة فريدة جدًا من نوعها في بلد قد حباه الله شريان الذهب الأسود وبخيرات لا تُعدّ ولا تُحصى من الغاز والمعادن والموارد الثمينة الأخرى.

“فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ”

نحن هنا لا نناقش فلسفة الموت وحيثياته؛ فالموت هو الموت، يأتي في وقته المحدد وطريقته المرتّبة سماويًا.

نحن نتحدث عن أسباب الموت المسبقة إذا كنا نؤمن بأسباب الموت وعواملها ودوافعها.

نتحدث عن معيل لأسرة سُرّح من عمله ظلمًا وجورًا، هام على وجهه في أرض الوطن يبحث عن لقمة عيش لأطفاله، طرق كل الأبواب؛ أبواب الأرض وأبواب السماء لعلّه يجد من يمنحه شيئًا من الطمأنينة والأمان له ولأطفاله.. هام وهام، لعلّه يستنشق شيئًا من الأمان والهدوء.. ولكنه استنشق الموت والفناء. لعلّه قد طرق أبواب وزارة العمل للحصول على فرصة عمل ولم يجدها..

وطَرَق أبواب وزارة التنمية الاجتماعية عبر الجمعيات الخيرية ولم يجد آذانًا صاغية حتى خاب ظنه.

العجيب في الأمر أننا نعيش في دولة لديها مجالس منتخبة، ولديها جهات أمنية واجتماعية وإنسانية، فجوهر الأمن هو حماية الإنسان، وصيانته، والحرص على بقائه حيًّا بأقل قدر من الكرامة إذا كان للكرامة مقدار وحجم وقيمة.

السؤال هنا.. لا أعرف كم عدد المسرّحين.. فالأرقام أصبحت كبيرة والقائمة كل يوم في ازدياد، وكأن قضية التسريح وباء عجز علماء الإدارة عن إيجاد دواء له وفكّ شفرته.

هؤلاء البشر الذين تم طردهم من عملهم من قِبل شركات أبسط ما نقول عنها إنها شركات تملك مئات الملايين، وأصحابها يتربّعون في قائمة الأثرياء أصحاب الأصفار السبعة. تم طردهم من عملهم دون أي مراعاة لظروفهم وأوضاعهم وديونهم وأمراضهم وكوارثهم.

أين الجهات الحكومية؟ أين كبار التجار في البلد؟ أين صناديق المال؟ أين الحماية الاجتماعية؟ أين مجلس الدولة؟ أين مجلس الشورى؟ أين الوطن بأكمله من هؤلاء المساكين؟

لا يوجد أحد يتابع أوضاع هؤلاء الناس الذين تقطّعت بهم السبل في بلدٍ المفترض أن يكون أيقونة بالأمن والأمان والرفاه والرفاهية للمواطن.

رسالتي لكل مسؤول صاحب ضمير حي في هذا الوطن: راجعوا حساباتكم الداخلية، واستشعروا عظمة الأمانة وثقل المسؤولية؛ فكلكم مسؤولون أمام الله عن كل حالات الجوع، والألم، والمعاناة التي نسمعها يوميًا.

وأين التعاضد والتكافل بين أفراد المجتمع؟ لماذا لم يسأل عنهم حبيب أو قريب أو جار ؟! أم إن الحياة أصبحت مادية بحتة، الكل يجري وراء لقمة العيش التي اختبأ وراءها الضمير الإنساني؟

وإذا صدق ما يتداوله جيران الفقيد وأصدقاؤه بأن الكهرباء كانت مقطوعة عنه لعدم سداد الفواتير وأنه لجأ لاستخدام مولد كهربائي والذي ربما كان سببا في انتشار غاز اول أكسيد الكربون الذي كان سببًا في وفاة الأسرة. 

وهذا يدفعنا للتساؤل بأعلى صوت: أين هي المسؤولية المجتمعية لدي الشركات الخدمية التي تقدم خدمات المياه والكهرباء والتى تحقق أرباحًا كبيرة؟
ولماذا لا يتم السؤال عن أحوال العميل قبل قطع الخدمة عنه وكيف هي أوضاعه المعيشية وما هي مسببات قطع الخدمة عنه؟ 
نعم هي شركات ربحية ولكنها وطنية ويجب أن يكون لدى مسؤوليها قلب رحيم يشعر بقلبه قبل أن يفكر بعقله.

أتمنى ألا تتكرر هذه الحادثة المفجعة مرة أخرى في أي بقعة من بقاع عُمان.

لا نريد أن نقرأ أو نسمع عن فاجعة تقصف القلب ألمًا وتهطل العينَ دمعًا.

الأكثر قراءة

z