ريم الحامدية
تحية وطن يمتد على اتساع جغرافيتنا الشاسعة.. جغرافيا المكان والزمان والمشاعر، جغرافيا الهوى والعشق الأبدي، جغرافيا الفداء والتضحية.. إلى أهل عُمان الأوفياء في كل ولاية ونيابة وقرية، إلى أولئك الذين يستيقظون مع أول شعاع ضوء يخترق جبال الحجر السامقة، ويتلألأ فوق صفحات مياه عُمان الفيروزية، إلى الأطياب الذين يصنعون رائحة الخبز النديّة، وإلى أولئك الذي يسكنون المدن التي تتماهى فيها الخطى مع ضجيج الحياة، وإلى أهالينا في كل شبر من ربوع عُمان العامرة، الذين يعلّموننا أسمى معاني الصبر، وإلى أهل الجبال الذين تلامس هاماتهم عنان السماء بشموخهم.
إلى كل ذرة تراب من مسندم حتى ظفار، أبعث لكم سلامًا يتدفق من قلب مُحب، سلامًا معطرًا بعبق اللبان الحوجري، ذلك العطر الذي لا يُشبه سوى هذا الوطن.. عميقًا، نقيًّا، لا يذوب مهما مرّت السنون.
عُمان.. يا له من اسم إذا مرّ على القلب، انفتح فيه باب للسكينة وباب للحنين، هنا الوطن الذي يُدوِّن خطواتنا ويُخفِّف أثقال أيامنا، هنا الأم التي لا تهرم، وإنْ طال بها الزمن، ولا تكلّ وإن أثقلت عليها مسؤوليات أبنائها.
نمضي في حياتنا بين أعباء العمل، وانشغالات الأيام، وتفاصيل المدن التي لا تنام، لكن شيئًا واحدًا يظلّ ثابتًا أن الأيام على أرض عُمان كلها تحمل شيئًا من العيد، شيئًا من الطمأنينة التي لا تُشترى، شيئًا من الأمن الذي يحيط بنا كذراعٍ ممتدة من السماء.
ورغم كل هذا، يبقى نوفمبر فصلًا مختلفًا تمامًا، شهر يلمس الروح قبل أن يلمس الذاكرة، يوقظ فينا إحساسًا بالانتماء لا يشبه أي شعور آخر، نوفمبر ليس مناسبة عابرة، إنه نبض وطن، لحظة يشتعل فيها الفخر في عيون الصغار والكبار، وتتحول الشرفات والطرقات إلى قصائد تمشي على الأرض.
في أيامنا الوطنية، تصبح عُمان لوحة واسعة؛ أعلام على السطوح، ضحكات في الأسواق، موسيقى تُعيد للقلوب خفّتها الأولى، وأناشيد ترفع هامات الناس عاليًا.
تشعر لوهله أن الوطن يحتفل بنا كما نحتفل به، وأن فرح الشعب ليس مجرد مظاهر؛ بل امتداد لحب قديم، حب يتوارثه الأبناء عن الآباء كأمانة لا تسقط من اليد.
وأمام هذا الجمال، مهما كتبنا وقلنا وفصّلنا لن نفي عُمان حقها، نحملها في هواتفنا، في أخبارنا، في أسفارنا، في بيوتنا الصغيرة، وفي حقائب سفر تمتلئ بالحنين كلما ابتعدنا قليلًا، نقول للوطن ما قاله الشاعر يوسف الكمالي:
"ومن لا يحبُّ عُمانهُ؟ ومحمّدٌ بين الصّحابةِ عن هواها أخبرا"، وكأنه يذكرنا أن حب هذا البلد ليس خيارًا؛ بل حالة وجود.
وبهذه المناسبة الغالية، ونفوسنا مغمورة بالامتنان، أرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى القيادة الحكيمة التي منحت هذا الوطن دربًا من أمل، وإلى كل من يسهر على نهضته، وإلى كل قلبٍ نابض فيه، وإلى كل يد بنت، وعلّمت، وحمت، وأعطت، فكل إنجاز يتحقق على أرض عُمان هو وسام فخر نعلّقه على صدر الوطن قبل صدورنا، وكل خطوةٍ تُنجزهي امتداد لتاريخ طويل من الوفاء والصبر والإرادة.
فليكن هذا اليوم الوطني مساحة فرحٍ صادقة، وفترة نقف فيها أمام عُمان ونعترف أن حبّها لا ينتهي، وأن جمالها لا يُختصر، وأنها مهما قلنا أكبر من الكلام، وأعمق من الشعر، وأوسع من القلوب.
