صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد
كان السيد أحمد بن سعيد والي صحار يسير على ناقته بصحبة خادمه مسعد قادمًا من صحار متوجهاً إلى مسقط تلبية لطلب الإمام سيف بن سلطان اليعربي لمُقابلته.
وعلى مشارف مدينة مسقط ورد إلى أحمد بن سعيد خبرٌ بأنَّ الإمام يُضمر له الشر وما استدعاه إلّا ليقتله؛ فرجع أحمد بن سعيد فورًا مسرعًا إلى معقله صحار والتي كان يُديرها بحكمةٍ.
وقد اشتهر أحمد بن سعيد آنذاك بالعدل والإنصاف والاستقامة والكرم واحترام الآخرين فأحبه الناس وأثنوا عليه وأصبحت له مكانة عالية في نفوسهم ليس في صحار وحسب؛ بل في سائر البلاد.
لكن إذا كان أحمد بن سعيد يتسم بكل هذه الصفات الطيبة فواجب على الإمام دعمه وتشجيعه وتقريبه ليكون له عونًا له في الحكم، وهذا ما اعتقده أحمد بن سعيد عندما أتى قادمًا إلى مسقط لملاقاة الإمام سيف بن سلطان اليعربي بناءً على طلبه، ولم يخطر على باله أن الإمام يريد اعتقاله ثم قتله، وهو لم يفعل سوى الخير لولايته وأهلها.
فماذا حصل ولماذا يريد الإمام قتل واليه والذي اختاره شخصياً وعيَّنه بنفسه؟
رأى الإمام في عُلو شأن أحمد بن سعيد لدى الكثير من الرعية وقربهم ومحبتهم له تنامي نفوذه، وكان هذا كافيًا ليوقظ في نفس الإمام سيف بن سلطان الغيرة والارتياب، وقد صرح لبعض خاصته قائلًا: إنَّ أحمد بن سعيد ما أقبل على الناس ولا أكرمهم إلّا ليستميلهم إليه ويصرفهم عن طاعتي فيسلب الحكم من يدي.
وهكذا صار الإمام يرى في والِيه بأنه يشكل تهديدًا مباشرًا لسلطانه وعزم على التخلص منه، وتزامنًا مع اشتداد التوتر بين الطرفين تفاقم الاضطراب في البلاد بخلافات اليعاربة فيما بينهم وتنازعهم الداخلي على الحكم؛ الأمر الذي أضعف الدولة وأصبحت هدفًا للتدخلات الخارجية وخصوصًا من قبل الفرس. وكانت صحار خط الدفاع الأخير وتمكنت صحار ومن انضم إليها بقيادة أحمد بن سعيد، من صد الهجمات الفارسية وإبعادهم عن شمال عُمان.
فازداد تقدير الناس لأحمد بن سعيد ووجدوا فيه القائد القادر على إنقاذ البلاد، بعد أن سقطت أكثر مناطق عُمان بيد الفرس ولم يبق من أئمة اليعاربة من يمثل قوة حقيقية يعتد بها؛ فاجتمعت القبائل والزعامات المحلية على مبايعة أحمد بن سعيد حاكمًا تقديرًا لشجاعته وثباته وحسن تدبيره واستطاع دحر ما تبقى من الفرس عن البلاد.
وهكذا تولى الإمام أحمد بن سعيد الحكم مؤسساً الدولة البوسعيدية والتي تم اعتماد تاريخ تأسيسها في عام 1744.
ومن بعده أتى أبناؤه السلاطين الميامين الذين كانوا أمناء على هذه الدولة وحافظوا عليها وقدموا الكثير لأجل أمنها واستقرارها وازدهارها وما زالت الدولة البوسعيدية العظيمة مُستمرة منذ 281 عاماً بحفظ الله ورعايته إلى يومنا هذا ولله الحمد.
