تضارب الاختصاصات

 

 

 

د. صلاح بن راشد الغريبي

 

لا شك أنَّ المراسيم السلطانية والقرارات الوزارية التي تُنظم مؤسسات الجهاز الإداري للدولة تُعدّ من الركائز الأساسية لضمان سير العمل الحكومي بكفاءة. ويعتمد نجاح المؤسسات والمسؤولين فيها على مدى قدرتهم على تطبيق هذه الاختصاصات بدقة، والالتزام بحدودها دون تجاوز.

من الطبيعي أن توجد أحيانًا نقاط تماس أو حلقات اتصال بين المؤسسات المختلفة، فذلك جزء من التكامل المطلوب لتحريك عجلة التنمية؛ إلا أن الخطورة تظهر عندما يُساء فهم هذا التكامل، فيبدأ البعض بكسر الأطر المنظمة، أو التدخل في اختصاصات لا تعنيهم إما عن قصد لتحقيق مصالح شخصية أو جماعية، أو عن غير قصد نتيجة ضعف الإدراك لأهمية الالتزام بالاختصاصات والأنظمة التي تنظمها. فالنتيجة النهائية هي إضعاف الأداء المؤسسي وتعطيل تحقيق الأهداف الحكومية.

وتزداد الإشكالية تعقيدًا عندما يحدث التداخل داخل المؤسسة الواحدة نفسها، بين وحداتها أو إداراتها، فيتحول التعاون إلى صدام. وغالبًا ما يكون ذلك بدافع تحقيق مصالح شخصية أو مكاسب مادية أو مناصب وظيفية، أو لأسباب ذاتية أخرى.

أما على مستوى الجهات المتعددة، فإنَّ تشعب الاختصاصات حول موضوع واحد يسبب ارتباكًا وإرهاقًا للمستفيدين من الخدمات، سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات. كما يُحدث هذا الخلل إحراجًا للعاملين في المؤسسات ذات العلاقة، ويضعف إيمانهم بجدوى القوانين المنظمة لعملهم.

وتكمن الخطورة الأكبر حين يقع التعارض في قضايا فنية أو قانونية حساسة، كأن تُصدر جهة موافقة على إجراءٍ ما استنادًا إلى اختصاصها، بينما ترفض جهة أخرى الإجراء ذاته بالاستناد إلى صلاحياتها. وهنا يصبح الخلل واضحًا، والنتائج خطيرة.

لذلك.. من الضروري أن تكون منظومة العمل لتحقيق أي منجز أو تنفيذ اختصاص معين تحت مظلة مؤسسة واحدة تُشرف على جميع معاييره وأهدافه؛ ويجب منع أي مؤسسة أخرى من تجاوز صلاحياتها أو إنشاء أعمال تقع خارج نطاق مسؤولياتها. وفي حال حدوث مثل هذا التجاوز، فلا بد من وجود جهة رقابية تضبط الأمور فورًا، وتتابع المستجدات والتغييرات المؤسسية لتصحيح أي مسار في حينه، قبل أن يتسع الخلل ويصعب إصلاحه.

إنَّ وجود جهة مختصة بمراجعة وتنسيق الاختصاصات بين المؤسسات أو تفعيل وتعزيز الجهة المعنية أصبح أمرًا ضروريًا وملحًا لضمان انسيابية الإجراءات الإدارية والخدمية دون فوضى أو ارتباك؛ فاستمرار التضارب والتقاطع في الصلاحيات يؤدي إلى التهرب من المسؤولية ويفتح المجال للمراوغة واستغلال الثغرات لتحقيق مصالح ضيقة؛ وهذا ما يغذّي فكر "أنا ومن بعدي الطوفان" لدى بعض ضعاف النفوس، الذين يسعون للتسلق على حساب المصلحة العامة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة