د. إسماعيل بن صالح الأغبري
رغم أن الحلقة تضيق على البلاد العربية ورغم أن البوادر تشير إلى قدوم ملك طامح إلى بسط نفوذه على الشرق الأوسط بأسره والدلائل تتتابع على أن هذا الملك يريد أن تتوجه المنطقة طوعا أو كرها والجميع ينقاد إليه وكأنه يريد مُلك سليمان عليه السلام أو استعادة ملكوت داود عليه السلام.
إسرائيل ممثلة في رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو لا تخفي تلك الرغبة وذلك الطموح ويبدو أن السنوات القادمة حُبلى بما لا يسر على بلاد العالم الإسلامي والدول الغربية التي صنعت إسرائيل أو التي حاليا تحتضنها كوليد أو ابنة مدللة لها تعلن أنها لن تسمح بميلاد قوة تنافس قوة إسرائيل وعينها كعين الصقر على كل دولة من دول العالم الإسلامي ترنو إلى الاستقلال العلمي والتقني والاقتصادي لكبح مجرد الأمنيات فضلا عن عدم تمكين هذه الدول من السعي إلى تطبيق تلك الرؤى مخافة التفوق التكنلوجي والتقني والعلمي على إسرائيل.
ورغم ما تسمعه الزعامات العربية من خطابات استعلائية مهينة مفادها وجوب التخلي عن حلم قيام الدولة الفلسطينية أو حلم العيش دون التطبيع مع إسرائيل- على أن التطبيع من وجهة قراءتي لمجريات الأمور قادم لا محالة- ورغم ما تشاهده هذه البلدان من غزوات إسرائيلية على كل من تتوقعه يتسلح أو يعارض الدخول في بيت طاعتها وطاعة بعض القوى الغربية فتشن (غزواتها) أو غاراتها على الضفة الغربية وقطاع غزة المأمول قيام الدولة الفلسطينية عليها- ولا توجد بوادر قيامها حتى على ذلك الجزء الصغير من أصل فلسطين التاريخية- وعلى لبنان رغم توالي الاتفاقيات بوقف إطلاق النار وعلى إيران خلال عدوان إسرائيل عليها طوال اثني عشر يوما وقد تعيد الكرة عليها ما لم تعلن رسميا التخلي عن برنامجها السلمي للطاقة النووية وتتوقف عن دعم المقاومة في فلسطين ولبنان- وعلى قطر التي تقود مفاوضات الوساطة لوقف شلال الدم في غزة وعلى اليمن الذي انتصر لأهل فلسطين كما ينتصر الغرب كله لإسرائيل رغم جميع ذلك فإن عددا من العرب تستهويه صناعة العدو الوهمي وهو ما لا ترتضيه الدبلوماسية العُمانية والتي يُصاب عدد من السياسيين والمحللين العرب بـ"كرونا" أو "الإنفلونزا" أو "الهستيريا" لعدم ذوبان الدبلوماسية العُمانية في ما تشتهيه بلدانهم.
وعد بلفور قضت بنوده سلب الحق الشرعي من أهله الشرعيين ومنحه لمئات الأجناس القادمين من مئات الأقطار المتباينة أصولهم وألوانهم المختلفة ثقافاتهم إلا ثقافة "الأرض الموعودة" وثقافة "شعب الله المختار".
كما إن سايكس وبيكو قضيا قضاءً مبرمًا على تقسيم المنطقة وكأن الميراث آلَ إلى غير أهله والذي قَسَّم لم يكن مؤهلًا ولم يُنَصِّبه أهل الحق قائما على شؤونهم ومنذ تلك الساعة لم تهدأ المنطقة ولم تستقر.
إذن الموقف العُماني في منتدى الحوار المعقود بالمنامة المتضمن بأن إسرائيل سبب الاضطراب وليس إيران كان تصريح الحافظ لما مضى القاريء للواقع المُنَبِّه لما يراد بالمنطقة فكيف فات ما مضى وما يراد الآن على من يزعمون الثقافة ويلبسون لباس المحللين؟!
ثم كيف لم يستطيعوا قراءة الدبلوماسية العُمانية ومنهجها الراسخ في تجنب التقلبات والابتعاد عن المزاجيات؟! رغم هذه الأخطار فإن عددا من العرب يسعون لخلق (عدو) وهمي وهو إيران، ويتعمدون أو يتجاهلون إسرائيل الحالمة بحكم الأقطار العربية عن قرب أو عن بعد؟! إيران موجودة في المنطقة منذ آلاف السنين وعاش الجميع بأمن واستقرار إلا أن إسرائيل وهي صارت دولة بحكم القانون وليس بحكم الأصل هي التي تخلق المشكلات وتسعى إلى التوسع ولا ترى إمكانية لبقائها ما لم تبسط سيادتها وعقيدتها على المنطقة بأسرها؟! فما صرحت به الدبلوماسية العُمانية لا خلل فيه بل دق ناقوس الخطر بأن السفينة قريبة من الغرق ولم يزل حبل النجاة بيد هذه الدولة العربية لو مالت إلى المنهج الدبلوماسي والسياسي العُماني.
ومن الغريب تقبل عدد من البلاد العربية إسرائيل رغم حداثتها وقيامها على أنقاض فلسطين والدعوة إلى الحوار والتفاهم معها بينما ترفض هذه الدول الحوار والتفاهم مع إيران رغم أنها لم تعتد على دولة من الدول؟! ومن العجيب سعي عدد من الدول العربية إلى التطبيع مع إسرائيل على اعتبار أنها صارت حقيقة معترف بها دوليا بينما ترى تلك الدول أن إقامة علاقات طبيعية مع إيران ينافي التضامن العربي؟! وكأن التضامن العربي لا يكون إلا إن كان ضد إيران؟ وكأن التضامن العربي تجلى في غزة ولبنان؟! والأشد غرابة أن تتوجه السهام إلى سلطنة عُمان لعلاقاتها الطبيعية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟! وكأن اللازم على سلطنة عُمان التخلي عن استقلالها السياسي والدبلوماسي ومتابعة القبيلة ولو سارت إلى الهاوية؟!
في منتدى المنامة وبعده عَبَّرَ البعض عن مواقفه من إيران سلبا كما عبرت سلطنة عُمان عن مواقفها من أحداث المنطقة ومن إيران إيجابا والملاحظ أن العُمانيين كعادتهم لم تقم قيامتهم ضد من اتخذ موقفا مغايرا لموقفهم ولو بان عواره وأثبتت الأحداث تخبط تلك السياسات وفي المقابل وكالعادة فإن عددا من الذين يزعمون السياسة- ولعلهم لم يشموا رائحتها- وعدد من الذين يحسبهم المتابعون بأنهم محللون ومثقفون اندلعت ألسنتهم تنديدا بسياسة سلطنة عُمان وكأن المراد تماهي الدبلوماسية العُمانية مع غيرها حتى تفقد خصوصيتها وشخصيتها؟!
إن المنهج السياسي العُماني عدم البحث عن أعداء جدد ولا افتعال مشكلات بل السعي إلى حل المشكلات إن وجدت وإذا كان العرب اعترفوا بإسرائيل وأنه من الممكن التفاهم معها لو سلكت مسلك الاعتراف بالحق الفلسطيني فكيف لا يمكن التفاهم مع إيران وهي دولة جارة مسلمة تنصر الحق الفلسطيني وفي سبيله تتعرض لأبشع العقوبات الاقتصادية وتعرضت للغارات الإسرائيلية واستُبيحت أجواؤها؟! بل مواقفها من القضية الفلسطينية متقدم على عدد من البلاد العربية.
إيران ليست العدو ولا الجار السوء؛ بل قد تكون بما تمتلكه من مقومات تقنية وعلمية ومكانة تاريخية ومساحة جغرافية تربطها بالجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفيتي سبيلا من سبل الاتصال العربي بتلك الدول مع الاستفادة من الخبرات الإيرانية في مجال العلوم والتي يصر الغرب على حرمان المنطقة منها وتعمل إسرائيل على تجهيل العرب بها ورغم ذلك سعى عدد من العرب إلى عزل إيران وهو ما صرح به وزير الخارجية العُماني وذلك حسب وجهة نظري من خلال الحرب الإعلامية الممولة عربيا ضد إيران ومن خلال تهييج الغرب عليها بينما لم يتم ذلك في حق إسرائيل؟!
وفي كل انفعال لعدد من الدول العربية تبقى الدبلوماسية العُمانية أكثر استقرارا وأبعد عن التقلبات المتمثلة مرة بالقطع الدبلوماسي ثم فجأة بالوصل ثم القطع وتارة بالثناء الإعلامي ثم فجأة بالذم ثم الثناء ثم الذم؟!
لقد ثبتت الدبلوماسية العُمانية مع مصر أيام أن قطع العرب علاقاتهم مع مصر بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد وكم قد اندلعت الصحافة العربية انتقادا للدبلوماسية العُمانية، وما هي إلا برهة من الوقت حتى عاد العرب إلى مصر وأعادوا العلاقات معها؛ أي أنهم صاروا إلى ما ارتأته الدبلوماسية العُمانية. ثم عام 2014م توترت العلاقات بين عدد من العرب وبين دولة قطر حتى تم استدعاء السفراء من الدوحة ولم تفعل الدبلوماسية العُمانية شيئا من ذلك؛ فتوجهت الأقلام والصحافة بلسان لاذع إلى الدبلوماسية العُمانية لبقاء علاقاتها مع قطر، ثم لم تمض إلا برهة من الزمن حتى عاد السفراء إلى قطر؛ أي عاد هؤلاء إلى ذات الرأي الذي كانت ولم تزل عليه الدبلوماسية العُمانية؟!
ثم عام 2017م تم قطع العلاقات بين بعض العرب وبين دولة قطر وخيروا قطر، إما أن تسير على ما ساروا عليه وإما أن تظل في حصار خانق أي يجب على قطر الركوع بخلاف سياستها وسيادتها، إلا أن سلطنة عُمان أبت قطع العلاقات مع قطر وإذ بالكُتَّاب والصحافة والأقلام المأجورة تشن حملة ضد الدبلوماسية العُمانية بل ضد عُمان وثقافتها رغبة منهم في ثنيها عن منهجها الثابت، ثم لم تمض، إلا برهة من الزمن حتى عاد الذين قطعوا العلاقات مع قطر إليها؛ أي أنهم عادوا إلى ذات ما كانت تدعو إليه سلطنة عُمان من عدم القطع أو سحب السفراء؛ فالعزلة التي كانوا يدعون إلى تطبيقها على قطر ومن قبلها على مصر هي ذات العزلة التي يرغبون من سلطنة عُمان لفرضها على الجمهورية الإسلامية في إيران؟! ومع أن هؤلاء في كل مرة يرجعون إلى المنهج السياسي العُماني، وإن تعالوا من الإقرار بذلك، إلا أنهم يريدون من سلطنة عُمان أن تحذو جذوهم؟!
المنطق يقول لو ثبت أن مناهج هذه الدول آتى أكله وكان صائبا لربما أعاد غيرهم النظر في منهجه وحذا حذوهم إلا أن الوقائع تدل على ارتباك سياساتهم ومن كان بيته من زجاج فلا يرمي غيره بحجر!
