عُمان تعزز حضورها في الأسواق الأوروبية كمصدر موثوق للطاقة وعنصر فاعل على خارطة الإمدادات العالمية

 

 

◄ تطوير البنية الأساسية وشبكات النقل اللوجستية يُعزز القدرة على الإنتاج والتصدير

◄ الموقع الجغرافي المتميز يوفر مسارات شحن بحرية أكثر مرونة واستقرارًا

 

الرؤية- سارة العبرية

تواصل سلطنة عمان ترسيخ مكانتها كمركز إقليمي لصادرات الطاقة، عبر توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية والاستثمارية الاستراتيجية، وتنفيذ مشروعات بنية أساسية لوجستية ونقل متطورة، ووضع خطط لمشروعات الطاقة منخفضة الكربون، ما يجعلها وجهة جاذبة للدول والشركات الأوروبية.

 

وخلال زيارة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- لمملكة إسبانيا، وقّعت السلطنة أربع مذكرات تفاهم كان أبرزها الاتفاق‌ مع الشركة الإسبانية Naturgy لتوريد الغاز الطبيعي المسال، ومشروع إنتاج الميثانول الأخضر، وإدارة المياه والصرف الصحي، والتعاون الاقتصادي، بهدف تطوير العلاقات التجارية والاستثمارية بين مجتمعي الأعمال في البلدين.

وجرى توقيع مذكرة التفاهم الأولى بين غرفة تجارة وصناعة عُمان وغرفة التجارة والصناعة والخدمات والملاحة الإسبانية، بهدف توسيع التعاون بين القطاعين الخاصين في كلا البلدين، وتشجيع تبادل الوفود التجارية، وتنظيم المعارض والندوات المشتركة، وتبادل المعلومات الاقتصادية والتجارية، ودعم الاستثمارات الثنائية. وتهدف مذكرة التفاهم الثانية، التي وقعتها شركة نماء لخدمات المياه مع شركة "أغواس دي فالنسيا" الإسبانية، إلى تعزيز التعاون في مجال إدارة المياه والصرف الصحي، وتطبيق حلول مبتكرة قائمة على الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الخدمات، وتقليل فاقد المياه، وتعزيز كفاءة البنية التحتية.

وبموجب هذه المذكرة، سيتم تنفيذ مشروع تجريبي للكشف عن التسربات في شبكة المياه التابعة لشركة نماء لخدمات المياه، إلى جانب دراسة المياه غير المدرة للدخل من النواحي الفنية والتجارية والتشغيلية، وستركز المناقشات اللاحقة على بناء شراكة طويلة الأمد تصل إلى 10 سنوات لتنفيذ مشاريع شاملة في شبكات المياه والصرف الصحي.

ويندرج هذا التعاون في إطار تعزيز تبادل الخبرات والتقنيات الحديثة بين سلطنة عُمان وإسبانيا في قطاع المياه والصرف الصحي، ودعم الجهود الرامية إلى تطوير إدارة مستدامة وذكية لموارد المياه.

أما مذكرة التفاهم الثالثة، التي وقعتها الشركة العمانية للغاز الطبيعي المسال مع شركة "ناتورجي" الإسبانية، إلى استكشاف ومناقشة اتفاقية بيع وشراء طويلة الأجل للغاز الطبيعي المسال، والتي قد تشمل توريد ما يصل إلى مليون طن سنويًا لمدة 10 سنوات تبدأ من عام 2030. وبموجب مذكرة التفاهم، ستسعى الشركتان أيضًا إلى استثمار مشترك في بناء ناقلة للغاز الطبيعي المسال بالتعاون مع مجموعة أسياد للنقل البحري، وشراء شحنات الغاز الطبيعي المسال من "ناتورجي" لمواصلة تلبية احتياجات السوق الأوروبية، ودراسة فرص الوصول إلى محطات إعادة التغويز الأوروبية وشبكات أنابيب الغاز المرتبطة بها لتعزيز واردات الغاز الطبيعي المسال ومبيعاته اللاحقة، والتعاون في هذا المجال لتطوير الفرص التجارية العالمية.

ووقعت وزارة النقل والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مذكرة التفاهم الرابعة مع تحالف دولي من الشركات يضم شركة HIF EMEA، وشركة أكسيونا ونوردكس جرين هيدروجين، وشركة الميرة للاستثمار؛ لاستكشاف وتطوير مشروع لإنتاج وتزويد السفن بالميثانول الأخضر منخفض الكربون في محافظة ظفار، مما يعزز جهود عُمان لتحقيق الحياد الكربوني وترسيخ ظفار كمركز رائد للوقود الأخضر وتزويد السفن بالوقود في منطقة الشرق الأوسط. وبموجب مذكرة التفاهم هذه، سيكون هناك تعاون في تقييم الجوانب الفنية والتنظيمية والتجارية اللازمة لإنشاء منشأة رئيسية لإنتاج الميثانول الأخضر، والاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة والبنية التحتية المتقدمة في عُمان.

وسيجري الكونسورتيوم دراسات جدوى وتحليلات اقتصادية وفنية لاستكشاف إمكانات تزويد السفن بالوقود وتصدير الميثانول الأخضر المنتج في محافظة ظفار من خلال دمج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لإنتاج الهيدروجين الأخضر واستخدام ثاني أكسيد الكربون الصناعي أو الحيوي، وتحويله لاحقًا إلى ميثانول أخضر. وستسهل وزارة النقل والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التواصل مع الجهات الحكومية ذات الصلة وتوفر الدعم التنظيمي اللازم، بما في ذلك تخصيص الأراضي والنظر في الحوافز للمشروع.

توريد الغاز الطبيعي المسال

وفي قلب خارطة الطريق العُمانية لتصدير الطاقة، تأتي مذكرة التفاهم بين Oman LNG Company والشركة الإسبانية Naturgy، والتي تستهدف دراسة إبرام عقد طويل المدى لتوريد ما يصل إلى مليون طن من الغاز الطبيعي المسال سنويًا بدءًا من عام 2030 ولمدة تصل إلى عشرة أعوام، وهذه الاتفاقية توفر نموذجًا لتوسيع صادرات السلطنة إلى أوروبا، خاصة في سياق سعي الدول الأوروبية للتقليل من اعتمادها على الغاز الروسي.

لكن الاتفاق لا يقتصر على مجرد التوريد، فهو يتضمّن أيضاً بحثًا مشتركًا في بناء سفينة نقل غاز مسال بالتعاون مع الشركتين العُمانية Asyad Group والشركة الإسبانية، إلى جانب دراسة الوصول إلى محطات استقبال وتسييل الغاز الأوروبية وشبكات الأنابيب المرتبطة بها، وهذه الخطوة تؤكد تحول عُمان من دولة منتج فقط إلى "حلقة لوجستية" في سلسلة التوريد العالمية للغاز المسال، بما يعزز مكانتها كأحد المصادر الموثوقة.

الميثانول الأخضر

  • الغاز الطبيعي، وضعت السلطنة هدفًا لا يقل أهمية وهو إنتاج الميثانول الأخضر باستخدام الهيدروجين الأخضر ومصادر الطاقة المتجددة، خصوصًا في محافظة ظفار، فبموجب مذكّرة تفاهم مع تحالف دولي يضم ACCIONA وNordex Green Hydrogen وAl MEERA Investment وغيرها، تم إطلاق دراسة جدوى لإنتاج الميثانول الأخضر وتزويد السفن به كوقود منخفض الكربون، بالإضافة لتصديره.

وهذه الخطوة تجسِّد استراتيجية السلطنة نحو "التحوّل الطاقي" والمساهمة في تعميم الاقتصاد منخفض الكربون، كما تعزز موقعها كمركز بنكرينغ (تزويد السفن) وانطلاق لتصدير "وقود المستقبل".

الموقع الجغرافي

ولا يمكن فهم مدى قدرة سلطنة عُمان على لعب هذا الدور دون النظر لموقعها الجغرافي الفريد؛ فالسلطنة تطل على بحار مفتوحة وتجنّب بشكل نسبي الدخول في مضايق بحرية أو مناطق توتر جيوسياسي مباشرة. وعلى سبيل المثال، ميناء الدقم في محافظة الوسطى يقع على الساحل الشرقي للسلطنة المطل على بحر العرب والمحيط الهندي، مما يوفر مسارات شحن بحري أكثر مرونة واستقراراً. وكذلك، وجود شبكات نقل لوجستية متطورة وشركات شحن بحرية محلية مثل Asyad تجعل عُمان قادرة ليس فقط على إنتاج الطاقة وإنما نقلها بموثوقية إلى الأسواق الدولية.

إضافة إلى ذلك، المبادرات العُمانية لتطوير المناطق الاقتصادية والبنى التحتية في الدقم وصلالة وصحار تساهم في تطوير بنية صناعية ولوجستية متقدمة تكمّل الاستراتيجية التصديرية: تخزين، معالجة، شحن، وتأمين خطوط وصول للأسواق الأوروبية والآسيوية. هذا المزيج يجعل عُمان منصة جذب للاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة والنقل البحري والتخزين والتصدير.

لماذا اختارت أوروبا عُمان؟

ومن أبرز العوامل التي تجعل أوروبا تنظر إلى عُمان كمصدر موثوق تتلخّص في ثلاثة محاور رئيسية: أولاً، الاستقرار السياسي في السلطنة والخط الدبلوماسي الذي يعزز علاقاتها مع القوى العالمية. ثانياً، موقعها التميز وبحارها المفتوحة بعيدا عن المضائق، وثالثاً، تطويرها لمشروعات النقل البحري والبنية التحتية المرتبطة بالغاز والطاقة الخضراء يعكس التزاماً تنفيذياً وليس مجرد تعهداً نظرياً.

ومن شأن الاتفاق مع Naturgy للدخول في بناء ناقلة غاز مسال تمكين عُمان من التحكم في جانب حاسم من سلسلة التوريد (النقل)، وليس الاعتماد الكلي على أطراف خارجية، وكذلك مشروع الميثانول الأخضر يعطي أوروبا بديلاً نظيفاً محتملاً من الشرق الأوسط، خصوصاً في ظل الضغوط على خفض الانبعاثات واستخدام وقود أقلّ كربونا.

وتكمن الفرص التجارية والاستثمارية لعمان في زيادة الطلب الأوروبي على مصادر طاقة بديلة للغاز الروسي، كما أن عُمان تملك المقوّمات -موقعاً، بنية تحتية، إرادة سياسية- لتوسعة صادراتها في العقود المقبلة، إلى جانب التوجه نحو الطاقة المتجددة والوقود الأخضر يجعل السلطنة قادرة على دخول "السلسلة الخضراء" للطاقة، وليس مجرد مشغّل للوقود التقليدي.

وتماشياً مع رؤية "عُمان 2040"، تمضي السلطنة بثبات في ترسيخ مكانتها كمنصة إقليمية للطاقة الحديثة، عبر مشاريع تتكامل بين الغاز التقليدي والوقود الأخضر؛ فالشراكات الدولية الجديدة، والبنية اللوجستية التي تمتد من الموانئ إلى ناقلات الغاز، تُمهّد لمرحلة تُعيد رسم خريطة التصدير في المنطقة، وتجعل من عُمان مركزاً آمناً ومستداماً لإمدادات الطاقة نحو الأسواق العالمية.

 

   

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة