مدرين المكتومية
يبدو أننا والعالم نعيش اليوم على إيقاع جيل مختلف تماماً، جيل لا يُمكن أن يكون نسخة من غيره، مختلف في لغته وأفكاره ونظرته للحياة حتى في طريقة نظرته لنفسه والآخرين، جيل ولد في زمن السرعة، وإيقاع حياة لا يتوقف، تربى على أن كل شيء متاح بشكل مُطلق دون محاذير، بدءًا من المعلومات والفرص وانتهاء بالقرار، إنني أتحدث عن جيل " z " المولودين ما بين عامي 1997 و2012، الجيل الذي يُعد ثورة بحد ذاته، ثورة قائمة وغير مسبوقة بأفكاره المتمردة على كل ما هو مألوف.
وعندما أتحدث عن هذا الجيل فما يُمكن قوله إنه جيل "الرغبات والسرعة"؛ فهو جيل لا يملك القدرة على الصبر ولا يُقدِّس ما يسمى انتظار؛ لأنه يرى العالم دائمًا مساحة مفتوحة للتجربة وليس كطريق طويل ومشوار يحتاج لأن يسلكه بتدرُّج، لا يوجد في قاموس حياته ما نسميه التدرج، يريد أن يصل بسرعة، يحتاج لأن يحقق ذاته في اللحظة، وأن يسمع صوته أيضًا في اللحظة ذاتها؛ لأنه باختصار جيل "اللحظة" وليس جيل "المستقبل"؛ لأنَّ الأبواب التي يختارونها دائماً هي ما تتوافق مع ما يريدون، والكثير منهم بالأساس لا يملك طاقة لأن يسلك طريقاً لا يرغب به مهما كانت نتائجه؛ لذلك المستقبل ليس ضمن الخطط التي يعيشونها ولكنه كمشروع قائم، ولكن يمكن أن يتغير في أي لحظة، ومع كل ذلك هم يعكسون جوهر العمق في المعنى الحقيقي لأن تكون اللحظة هي الهدف.
إنه جيل لا يقبل الأوامر ولا يستسيغ ذلك، ولا يُسلِّم لمفهوم العادات والتقاليد، هو جيل تجد "لماذا" هي الأساس في أحاديثه وأفكاره؛ حيث يسأل كثيرًا، ولديه تلك الجرأة الفكرية التي قد تزعج الكبار في كثير من المواقف، فيجدون أنفسهم يعيشون بين أناس لا يفهمونهم، والكثير منَّا ممن بالتأكيد عاش ذلك مع إخوته، يتمردون دون سبب، ويخالفون الرأي دون تبرير، فقط لأنهم يؤمنون أنهم مختلفون وأننا قد نكون رجعيين بالنسبة لهم، ولكنها في الحقيقة هي واحدة من علامات التحول الاجتماعي الكبرى في العصر الذي نعيشه.
وحين نتحدَّث عن جيل بهذه الثقة العالية بالنفس، وبهذا الاختلاف العميق وبالنظرة التي يرون فيها الحياة ندرك تمامًا أن هناك فجوة واضحة بين جيل "زد" والأجيال التي سبقته لا يمكن أن ينكرها مثلا جيل الثمانينات والتسعينات، ففي الوقت الذي يرى فيه الكبار أن هذا الجيل مندفع وربما متسرع وبعيد عن القيم والمبادئ، إلّا أن جيل "زد" يرى أن الكبار لديهم فهم ولكنهم يخافون من التغيير، ويبذلون جهدا كبيرا في التمسك بالعادات التي لا تناسب الوقت الحاضر، وهو بالطبع قد يكون صداما طبيعيا خاصة بين من يرى أن التغيير ضرورة وبين من يرى أن الاستقرار قيمة مهمة، فأحدهما يؤمن بالمسار والطريق الآمن والآخر يؤمن بالمخاطرة والبحث عن تجارب جديدة، وما يمكن الإجماع عليه أن المجتمع يحتاج للاثنين معًا، فالشجاعة قد تضيع بالطريق بلا حكمة، والحكمة قد لا تنهض دون شجاعة.
إن هذا الجيل بلا أسوار فكرية فمن بين الأمثلة اللافتة على الوعي لديهم ما نراه مؤخرًا في الولايات المتحدة عندما دعم عدد كبير من الشباب اليهود المنتمين إلى جيل زد المرشح المسلم زهران ممداني في انتخابات عمدة نيويورك؛ حيث إن الدين لم يكن معيارهم ولا العرق دافعهم لتأييده؛ بل موقفه الحقيقي مع القضايا الإنسانية، وبرنامجه ورؤيته التي بنى عليها ترشحه، فهو ما يُلخص عقلية الجيل والتي لا تصوت للهوية بقدر اهتمامها بالفكرة، فهو لا يبحث عن أوجه التشابه بينه وبين الآخر بل عن من يعبر عنه، فهم جيل يعيد تعريف "الانتماء" بحيث يكون الفكر في المقدمة بدلاً من الانتماء الوراثي، وللقيم لا لمعتقدات متوارثة.
وأخيرًا.. نؤكد ونشدد على أنَّ احتواء جيل "زد" لا يكون أبدًا بالمنع ولا بالوصاية؛ بل بتمكينه وإشراكه في صناعة القرار، وإعطائه المساحة ليُعبِّر عن نفسه، لكن ضمن حدود نحاول جاهدين رسمها له دون صدام أو هجر.
