التاريخ والذاكرة والشعر تلتقي في تجربة الفن الصحراوي الغامرة

11 فنانًا يشاركون إبداعاتهم وسط صحراء مليحة ضمن مهرجان "تنوير"

...
...
...
...
...
...
...

 

 

 

 

 

 

الشارقة- الرؤية

تطلّ الدورة الثانية من مهرجان "تنوير" من قلب صحراء مليحة الساحرة، حاملةً معها 11 تحفة فنية ضخمة تتحاور مع رمال الصحراء، لتعيد أراضي المهرجان تشكيل نفسها في معرض فني مفتوح تنبض أعماله بحيوية استثنائية وتغمر الزوّار بحضورها التشكيلي الآسر.

ويحمل المهرجان لهذا العام شعار "ما تبحث عنه يبحث عنك"، مُستلهمًا الحكمة الخالدة للشاعر جلال الدين الرومي من القرن الثالث عشر، والتي تشكل مصدر إلهام موجّه تم تكييفه وتفسيره من قبل مجموعة متنوعة من الفنانين الإماراتيين والدوليين والمقيمين في الإمارات. ومن خلال أعمالهم، سيُجسّد الفنانون المهرجان بوصفه رحلة ديناميكية تلتقي فيها الفنون والطبيعة والإبداع.

ويتردد صدى كل تركيبة مشاركة بعمق مع جوهر المهرجان المتمثل في التواصل والتأمل والتراث الثقافي. ومعًا، تتجاوز هذه الأعمال التعبير البصري، لتصنع فُسحًا للحوار والتأمل والتجربة الجماعية في تناغم تام مع طبيعة مليحة وآثارها التاريخية.

ويستكشف "استوديو هايبيكوزو"، المشروع الفني التعاوني للفنانين سيرج بولو ويويلينا فيليبشوك ومقره لوس أنجلوس، كيف يمكن للهندسة أن تشكّل ليس فقط الأشياء، بل والتجارب أيضًا.

أما عملهم الفني "نيكسوس"، فهو بنية ذهبية على شكل خلية نحل مقبّبة، تتكوّن من وحدتين متجاورتين تُكوّنان كهفًا متعدد الأسطح. تمنح أنماطه المتشابكة للفرد إحساسًا متغيرًا بالمكان في الداخل والخارج على السواء. وعند حلول الليل تبعث الإضاءة الحياة في الهيكل ليبدو عابرًا وحيًّا في آن واحد.

الفنان الكوري الجنوبي سيو يونغ دوك، المعروف بمجسمّاته الواقعية جدًا وبالحجم الطبيعي سيكون ممثلًا بالمهرجان عبر "تأمل 1554"، التركيب الفني المصنوع بالكامل من سلاسل ملحومة جُمعت من آلات صناعية ودراجات هوائية قديمة. تمت تسمية المجسّم - وهو رأس رجل يتأمل بعينين مغمضتين - نسبة إلى 1554 مترًا من سلاسل الدراجات الصدئة التي استُخدمت في صناعتها.

وتُبدع الفنانة الهولندية ميلا نوفو المتخصّصة في الألياف، جداريات مصنوعة يدويًا تتداخل فيها الأنسجة المعقودة يدويًا على طريقة "المقرمة" والسجاد. وتحرص في أعمالها على الدمج بين تراث شعب المابوتشي في أمريكا الجنوبية والتصاميم المعاصرة. ويعد "همسات الأجداد" أول تراكيبها الفنية واسعة النطاق، ويتكوّن من عشرين لوحة من الألياف المعقودة يدويًا والمعلّقة عموديًا، داعية الحضور للسير بينها إضافة إلى تجربة أرجوحة معلّقة في وسط التركيب.

وفي عمله "همسات الحقيقة" يتأمل الفنان الإماراتي جمعة الحاج رحلة البحث عن الحقيقة عبر تركيب مجسّم مستوحى من علامات الاقتباس. يتألف العمل من ثماني علامات اقتباس ضخمة مقلوبة ومصنوعة من الفولاذ المعتدل، تتجمع معًا لترمز إلى الأفكار التي تتبلور عبر الزمن والتجربة لتصبح مفهومًا متكاملًا.

جهودٌ ثلاثية مكرّسة للثقافة

استوديو ون ثيرد المؤلف من آمنة بن بشر ودُنى ودانية عجلان، شراكة تجمع مصممات ثلاث يكرّسن أعمالهنّ للحفاظ على الثقافة الإماراتية من خلال التصميم. يقدّم عملهنّ التركيبي الخارجي "انعكاسات" إعادة تخييل للكِهف بوصفه مرآة للذات. استُلهم العمل من كهوف مليحة القديمة ومن منطقة الفاية الجيولوجية المجاورة والتي أُدرجت ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2025. ويستحضر هذا العمل الكهوف بوصفها ملاذات أزلية للتأمل واللجوء.

روضة الكتبي، فنانة بصرية إماراتية من أبو ظبي، تبدع أعمالها باستخدام مواد عثرت عليها بأماكن مهجورة أتاحت لها استنباط رؤى من تلك الأماكن لتبحر في موضوعات الزمن والفقدان والتحول. أما تركيبها الفني "رواسب الزمن" والمؤلف من 100 كرة تستحضر هيئة قطرات الماء، فهو مُستلهم من جبال صحراء مليحة، التي كانت يومًا قاعًا لبحر قديم.

الشغف كقوة دافعة

يقدم شابير مير، الفنان الباكستاني متعدد المجالات والنحات والخطّاط، والمقيم في الشارقة، تركيبه الفني الضخم "حديقة الكلمة" الذي يستكشف من خلاله روعة الحروف العربية. يبرز في عمل شابير الحروف المرصوصة على ارتفاعات متباينة، تعلو مثل نباتات تمتد نحو السماء، لتعكس التدفق العضوي للخط العربي - حيث تحاكي تقوّساتها أشكال الطبيعة وجمالها. وفي ذروتها، تشكل الحروف كلمة "شغف"، التي تعكس موضوع المهرجان "ما تبحث عنه يبحث عنك".

وتُعيد برانوتي كاراججي، الفنانة الهندية المقيمة في دولة الإمارات، إحياء الذاكرة والتاريخ من خلال الطين. ففي عملها التركيبي الغامر "زمن النسيج - رحلة عبر الخرز "، ابتكرت برانوتي خمسة أقواس ضخمة يجسّد كل منها حقبة مميزة من تاريخ مليحة. وبينما يسير الزائر، تتحول الأقواس إلى عِقْدٍ حيٍّ يصل بين الحرفيين والمسافرين والحاضر. وعبر عملها الفني، أخذت برانوتي الخرز إلى موطنه في الصحراء، حيث بدأت قصص التجارة والحرف اليدوية.

أما رنيم عروق، فنانة سورية ومصممة ومعمارية مقيمة في دولة الإمارات، معروفة باستكشافاتها الدقيقة للطبيعة والهندسة. في عملها "عُقَد الشعر: الجلوس مع الرومي"، تخلق رنيم تركيبًا فنيًا غامرًا مستلهمًا من بيت للشاعر جلال الدين الرومي: "كن كالشجرة ودَع الأوراق الميتة تسقط". تبرز في العمل قطع خشبية تركيبية من الرمال كأوراقٍ متساقطة في مشهد طبيعي، بعضها متوج بسجاد، فيما نُقشت على أخرى أنماطٌ وزخارف وخطوط تجريدية، أو غُطيت بطبقات من الرمل. يستكشف العمل مفاهيم التحرر والتجدّد والتحوّل من خلال الشكل الشعري والمادة.

رحلة غامرة

ومن خلال تركيبها الفني "رادي"، تنسج الفنانة تالين هزبر رحلةً استثنائيةً تدمج بين طيّات المادة، وطبقات الزمن، ومسارات الذاكرة، وأعماق المعنى. يسعى هذا العمل إلى إبراز الاكتشافات الأثرية عبر عصور ما قبل التاريخ المتعاقبة: الحجري القديم، والحجري الحديث، والبرونزي، والحديدي، وصولًا إلى الفترة المتأخرة من عصر ما قبل الإسلام.

ويقدّم "رادي" للزائر تجربةً غامرةً، ينطلق خلالها في رحلةٍ افتراضيةٍ عبر الحقب والتنقيبات، محاكيًا بذلك عملية الكشف المتواصل التي لا تتوقف عن فضّ الأسرار ورفع النقاب عن طبقة تلو الأخرى.

حضورٌ يحاكي رمال الكثبان

مستلهمةً الخطوط الانسيابية للكثبان الرملية، تقدم المصممة والمعمارية الإيرانية ندى سلمانبور، المقيمة في الإمارات، عملها الفني "نَدّ"، وهو تركيب ضوئي معياريّ يعتمد على منهج بحثي عميق.

عُرض العمل لأول مرة في 2023، ليعاد تصميمه خصيصًا لهذه الدورة من مهرجان "تنوير"، حيث يتواجد الآن في جناح أسطواني مظلم وسط الصحراء. تتوهج كل جزئية منه بدفءٍ يشبه نَبْضَ الحياة، محاكيةً حركة الرمال وتموجاتها الساحرة.

يُرفع العمل بوساطة هيكل مخفي يعلوه سطح من الرمال، لترتفع المصابيح إلى مستوى الصدر، فتبدو للعيان كقطع أثرية غامضة من المستقبل. ينسج "نَدّ" ببراعة بين الماضي والمستقبل، والذاكرة والإمكانات، لِيَخلُق حضورًا هادئًا وخالدًا في قلب المشهد الصحراوي.

معًا، يحوّل هؤلاء الفنانون صحراء مليحة إلى صالة عرض ديناميكية للتراث الثقافي والاتصال العميق مع الطبيعة.

ويُعيد مهرجان "تنوير" في دورته الثانية إحياء صحراء الشارقة باحتفاء نابض بالفن والموسيقى والتراث، مع فنانين عالميين، وتجارب غامرة، وتجمّعات لا تُفوّت.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة