قصة: جمهورية جنْوا (1)

الكاتب: حمد الناصري

زحام في الشارع، كثافة مرورية عالية، منصور شاب يُحب السفر والترحال، لغته الإنجليزية ساعدته لإجراء حوارات غير مُعمقة.
 في مدينة جنوا الإيطالية، يتحدث غالبية الإيطاليون الإنجليزية بطلاقة من المُشتغلين في العمل الفندقي والمطارات وبكافة المجالات العملية والتجارية، وكان منصور شابًا خليجيًا، يُجيد التعامل بالإنجليزية بما يُساعده في تسير أموره بإيطاليا. استقل منصور سيارة مخصصة من مطار "كريستوفر" إلى فندق " جينوفا سيتي". لكن أقدار منصور في رحلته، جرت على غير ما رسمها، فقد أحسّ بألم شديد ينتابه.
كانت على مقود السيارة التي تُقلّه من المطار إلى الفندق سائقة "أنثى" إيطالية جميلة المُحيا، ذات جمال لافت وابتسامة جذابة، فجأة شعر منصور مرة أخرى بوكزة ألم في بطنه، وخزات مُفاجئة متتابعة، وكانت دقات قلبه تتصاعد، وانتابته مشاعر خوف كبيرة.. التفت إلى " فيتوريا قائلا “من فضلك خُذيني إلى أقرب مستشفى؟ فقالت ماذا الذي حلّ بك.؟ ردّ منصور: أشعر بـ وَخْز في القلب.؟ ردت: هل أنت جاد في ما تقول أم مزحة، قال منصور، ليست مزحة بل هو ألم حاد، فقد انتابني فجأة دون أي مُقدمات.. هيا أسرعي أرجوك أدارت" فيتوريا" رقمًا وتحدثت بالإسبانية.. ثم قادت السيارة في عجل، وحين وصلا إلى مدخل مستشفى سان مارتينو بالمدينة، هبّ العاملون مهرولين تجاههما، أطبّاء ومُمرضون وعاملون.. تواصل مُكثّف بين إدارة فندق جنْوا مارينا وبين مشفى سان مارتينو ، حمّالة المرضى تزيدني خوفا وانزعاجًا، أداةٌ عنيفة تُقلقني وتزعجني، وإلى داخل مشفى سان مارتينو يجرّني العاملون وقد أحاطهم ثُلّة من الأطباء والاخصائيين.. كان فحص المرض ومن ثم تشخيصه على عجل برعاية طاقم مدرب ومتخصص في الحالات الطارئة، كان الأطباء ماهرين في تلطيف جوّ المريض، فقال الطبيب المشرف على الحالة الطارئة لقد شخصنا حالتك، واتضح وهي إلتهاب للزائدة الدودية.. لكنا سوف نقوم بمصْلها بأدوية وحقنها بمضاد للإلتهاب. . وإنْ لم تتحسّن فلابُد من التدخل الجراحي.  
مكثَ منصور طول الليل بالمستشفى.. وفي الصباح غادر قسم العناية بعد أن تحسنت حالته، ثم أشارت المشرفة بإلزامه دفع مبالغ 441.51 يورو، كان المبلغ صادماً، إذ أنّ منصور قد تعوّد في بلده تلقّي الخدمات الصحية مجانًا.
 لكنّ فيتوريا التي رافقته من الفندق تدخلتْ، ودفعت المبلغ دون أن تُعْلمه.. حينما علم منصور بأنها سدّدت عنه فاتورة المشفى، كانَ مُتفاجئاً ومصدومًا من تصرفها.؟ فما هو المُبرّر.؟ ولماذا قامت بدفع المال دون أن تُخبره.؟ وخاصة أنّ المبلغ ليس هيّنًا.؟

بقي منصور ساكتاً ولم ينبس ببنت شفة.. جاءت "فيتوريا "موظفة أمن الفندق بالسيارة لتقلّ منصورًا من المشفى إلى الفندق الذي سيقيم به.. وفي السيارة تحدثا معاً وأردفت فيتوريا: لقد قمت لك بتوقيف حجز غرفة بالفندق كي لا يتضاعف عليك المبلغ.؛ وقد خلّصْتُ إيجار الأيام التي لم تدفع فيها مُسبقاً لأنهم رفضوا إلغاء الحجز إلا بتسديد كل المستحقات المالية.. عقّب منصور: ما فعلتيه تصرّف رائع وجميل، ينمّ عن إنسانة تسعى إلى كل عمل جميل.
قال منصور عسى ألاّ تُخفين عني شيئاً من وراء ذلك، فردت فيتوريا وهي تكسوها ابتسامة عريضة لا طبعا.. لكنها مُبادرة شخصية مني، عقّب منصور: المهم: خُذيني إلى الفندق الان، كي أنزل حقائبي وأغراضي الشخصية.. ضحكت وقالت أتقصد حقائبك التي وضعتها في مؤخرة السيارة.. ضحك منصور وقال لها إنّ كلمة مؤخرة في بلدتي كلمة مُخجلة ونعدّها من العيب فلا تقوليها مرة أخرى، فهي مفردة تدلّ على مؤخرة الأنثى. 
ضحكت فيتوريا، بعد أن أوضح لها منصور ذلك، ثم واصلت السير.
 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة