◄ اللواتي: تأثيرات المخاطر الجيوسياسية على الاقتصاد أكثر تعقيدًا من العوامل الأخرى
◄ ضرورة تعزيز استخدامات نماذج الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالمخاطر
◄ إدارة المخاطر ليست خيارًا إداريًا.. وإنما ثقافة وطنية يجب غرسها
◄ السناني: ضرورة تضمين اللوائح التنفيذية للقوانين وإنشاء إدارات للمخاطر
◄ الخالدي: مخاطر الاعتماد على البنى السحابية الخارجية تُهدد الأمن السيبراني
الرؤية- سارة العبرية
أجمع خبراء ومختصون على ضرورة تبني منهجيات متكاملة لإدارة المخاطر؛ باعتبارها ركيزة أساسية لتعزيز مرونة الاقتصاد الوطني في مواجهة الأزمات المالية والجيوسياسية.
وقالوا- في تصريحات لـ"الرؤية"- إنَّ التحولات التي يشهدها الاقتصاد العُماني تتطلب ترسيخ ثقافة التخطيط لمواجهة المخاطر، في المؤسسات الحكومية والخاصة على حدٍّ سواء؛ لضمان استدامة النمو وتحقيق أهداف رؤية "عُمان 2040" وتطلعات المجتمع.
وقال الدكتور حيدر بن عبدالرضا اللواتي الكاتب في الشؤون الاقتصادية إن أي اقتصاد يسعى إلى الاستدامة والمرونة في مواجهة الصدمات كما هو الحال في الاقتصاد العُماني، خاصةً بعدما تعرّض لعدة صدمات خلال العقود الأخيرة الماضية؛ بسبب تذبذب أسعار النفط العالمية وتراجعها في بعض الأوقات بصورة كبيرة، إلى جانب الأزمات المالية والمناخية، واشتعال التنافسية بين الدول، إلى جانب تطورات الأوضاع الجيوسياسية. وأضاف اللواتي أن اقتصاد سلطنة عُمان ما يزال يعتمد بصورة كبيرة على مورد واحد وهو النفط، على غرار معظم دول المنطقة، لكنه يواجه في الوقت نفسه تحديات كبيرة في جهود التنويع الاقتصادي. وشدد على أنه في حالة وضع استراتيجية وطنية واضحة لإدارة المخاطر ضمن السياسات الاقتصادية، فإن القدرة على إدارة هذه المخاطر ستزيد. وبيّن أنه في ظل المخاطر المتعددة في الدول ذات الاقتصاد الريعي، فإن الحاجة ماسَّة لتبني "استراتيجية موحدة ومتكاملة" لإدارة المخاطر والتعامل مع التحديات الآنية والمستقبلية.

وذكر اللواتي أن الحكومة طرحت العديد من المبادرات والبرامج في هذا الشأن؛ أبرزها وضع خطة التوازن المالي (2020- 2024) والتي كانت بمثابة إطار عام لإدارة المخاطر المالية؛ بهدف تقليل الاعتماد على النفط، وضبط الإنفاق العام، وتحسين كفاءة الإيرادات غير النفطية، وخفض العجز والدين العام تدريجيًا.
وأضاف أن الحكومة تعمل كذلك على توظيف منهجيات إدارة المخاطر في تحديد ومواجهة التحديات الاقتصادية للتقليل من الآثار السلبية للأزمات الاقتصادية وتحقيق استقرار نسبي من خلال مواجهة التضخم وارتفاع الأسعار، والسيطرة على تقلبات سعر الصرف، والحد من الركود الاقتصادي، إلى جانب تغيير السياسات الحكومية أو الضريبية، ومواجهة اضطرابات سلاسل الإمداد، وانخفاض القوة الشرائية في المجتمع.
التحديات الاقتصادية
وأكد اللواتي أن منهجيات إدارة المخاطر توفّر إطارًا مُنظَّمًا لمواجهة التحديات الاقتصادية بتقليل آثارها وتعزيز قدرة الأفراد والمؤسسات على التكيّف والاستمرار، مشيرًا إلى أنه لا يمكن حصرها في حلول فورية؛ بل من خلال أدوات للتخطيط الاستباقي والتفاعل الذكي مع المتغيرات.
وردًا على سؤال عما إذا كانت المؤسسات العُمانية تمتلك القدرة على التنبؤ بالمخاطر العالمية مثل الأزمات الجيوسياسية أو التضخم العالمي وانعكاساتها على الاقتصاد المحلي، قال اللواتي إن جميع الأجهزة المعنية بالدولة مُدركة لتأثيرات المخاطر العالمية على الاقتصاد المحلي نتيجةً لعدد من التجارب السابقة التي مرت بها الدولة خلال العقود الخمسة الماضية؛ سواءً تلك التي تتعلق بتراجع أسعار النفط العالمية وتأثيراتها السلبية على المالية العامة، أو الصعوبات التي تنجم عن ذلك في الالتزام بالدفوعات المالية للمؤسسات في الداخل والخارج، أو فيما يرتبط بموضوع الكوارث البيئية والمناخية، وأخيرًا التحديات ذات الصلة بانتشار الأوبئة المرضية مثل "كوفيد-19".
وأشار إلى "أن الاقتصاد العُماني يعتمد بدرجة كبيرة على النفط والغاز، وهذا يسهّل توقع بعض الصدمات مثل تراجع أسعار النفط، لكنه يجعل التنبؤ بالمخاطر الجيوسياسية أو التضخم العالمي أكثر تعقيدًا". غير أنه استدرك بالقول إن هناك تطورًا في تدريب الكوادر العُمانية بمجالات التحليل الاقتصادي والاستشراف الاستراتيجي، وفي الوقت نفسه ما تزال الحاجة قائمة لتعزيز استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل السيناريوهات في التنبؤ بالمخاطر.
ترسيخ إدارة المخاطر
ويرى اللواتي "أن من المناسب إنشاء شبكات بحثية مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية؛ لزيادة دقة التنبؤ بالمخاطر العالمية، والعمل على الاستدامة الاقتصادية والسيادة الوطنية في زمن الاضطرابات العالمية". وقال إن إدارة المخاطر ليست خيارًا إداريًا؛ بل ثقافة وطنية يجب أن تتجذر في كل مؤسسة تُسهم في بناء الاقتصاد العُماني. فنحن نشاهد يوميا عالم تتسارع فيه الأزمات الجيوسياسية، والتقلبات الاقتصادية، وتغير المناخ، وتصبح القدرة على التنبؤ بالمخاطر والتعامل معها بمرونة من أهم عناصر التنافسية الوطنية.
وتابع بالقول إن تجاهل المخاطر أو الاكتفاء بردود الأفعال بعد وقوعها يعني خسارة فرص، وزيادة في كلفة التصحيح، وتراجعًا في ثقة المستثمرين والأسواق، داعيًا الجهات الحكومية للاهتمام بإدارة المخاطر وجعلها جزءًا من التخطيط الاستراتيجي وليس مجرد إجراء رقابي.
ويقترح اللواتي أن تؤسس الحكومة مراكز وطنية متخصصة في استشراف المستقبل وتحليل السيناريوهات في مختلف القطاعات، مع الاعتماد على البيانات والتحليل الكمي في صنع القرار بدلًا من التقديرات الحدسية.
القانون المالي
من جانبه، أكد المحامي نصر بن حمود السناني أهمية دمج إدارة المخاطر عمليًّا في تطبيق القانون المالي، وذلك من خلال نهج متكامل يبدأ بتحديد المخاطر المالية والرقابية الرئيسية التي تواجه الجهات الحكومية والخزانة العامة للدولة؛ مثل: تقلب الإيرادات، والالتزامات المحتملة، والإنفاق الزائد، والاحتيال، أو ضعف الرقابة الداخلية، بحيث تُدرج هذه الجوانب في اللوائح التنفيذية والأنظمة الداخلية للجهات المعنية. وقال إنه يجب تضمين متطلبات إدارة المخاطر في اللوائح التنفيذية للقانون؛ حيث يُمكن للوزير من خلال اللوائح أن يُلزم الجهات المنضوية تحت مظلة القانون، بوضع إطار لإدارة المخاطر، وتعيين لجنة أو مسؤول مختص، وإجراء تحليل سنوي للمخاطر، وإعداد خطة استجابة ومراجعة دورية لتأثيرها، إضافة إلى تضمين تقارير عن المخاطر المالية ضمن الحسابات الختامية أو الموازنة العامة.

ويرى السناني أن ربط الميزانية والتخطيط المالي بتحليل المخاطر يُعد خطوة أساسية، بحيث تُلزم الجهات عند إعداد ميزانياتها التقديرية بإرفاق تحليل للمخاطر المحتملة التي قد تؤثر على الإيرادات أو النفقات، مما يساعد الوزارة أو المجلس المالي في مراجعة الخطط من منظور أكثر واقعية. وأضاف أن دمج الضوابط والرقابة الداخلية مع إدارة المخاطر يتسق مع توصيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية؛ إذ يمكن إنشاء وحدات متخصصة لإدارة المخاطر تتعاون مع التدقيق الداخلي وتعد تقارير دورية للمسؤولين عن الإنفاق حول مستوى المخاطر والإجراءات المتخذة.
وتابع القول إن الرقابة الفعّالة تتطلب مراقبة مستمرة وإعداد تقارير دورية عن المخاطر وتأثيرها، مشيرًا إلى أن القانون المالي يمنح الوزارة صلاحية إصدار تعليمات لتنظيم الرقابة والتحقق من الإيرادات والمصروفات؛ بما في ذلك توجيه الجهات لإعداد تقرير سنوي عن المخاطر المالية يتضمن التقييم وخطط التخفيف والنتائج المحققة. ويؤكد السناني أهمية تثقيف وبناء قدرات العاملين في الجهات الحكومية على مفاهيم تحليل وإدارة المخاطر، وتزويدهم بالأنظمة التقنية ومؤشرات الأداء اللازمة لرصد المخاطر في الوقت المناسب.
ويقترح السناني ربط المكافآت ونتائج الأداء بمدى فعالية إدارة المخاطر، بما يضمن التشجيع على تبني ثقافة وقائية تسهم في تقليل المفاجآت المالية وتعزيز الانضباط المؤسسي، في حين تضمن المراجعة المستقلة من قبل وحدات التدقيق الداخلي أو الأجهزة الرقابية الوطنية تقييم فعالية الأطر المعتمدة وتحسينها بشكل مستمر استنادًا إلى التجارب السابقة والمستجدات المستقبلية.
ويشدد المحامي نصر بن حمود السناني على أن تحقيق مُستهدفات رؤية "عُمان 2040" يتطلب ترسيخ ثقافة التخطيط بالمخاطر لدى القيادات وصُنَّاع القرار، من خلال دمج تقييم المخاطر في جميع مراحل صياغة السياسات والمشروعات الحكومية، وتدريب القيادات على تحليل السيناريوهات والتعامل مع الأزمات بمرونة واحترافية، إضافة إلى ربط إدارة المخاطر بالتخطيط الاستراتيجي والأداء المؤسسي لضمان استدامة النتائج. ويدعو السناني إلى إنشاء هيئة أو وحدة وطنية للمخاطر تتولى تنسيق الجهود بين مختلف الجهات، وتوحيد المعايير، وتعزيز الشفافية عبر الإفصاح الدوري عن المخاطر والتحديات التي تواجه مؤسسات الدولة، واستخدام الأنظمة الرقمية والتحليل الاستباقي لرصد أي مؤشرات قد تؤثر في الاستقرار المالي أو الإداري للدولة.
ويؤكد السناني أن تبنّي نهج مؤسسي لإدارة المخاطر لا يُعد مجرد وسيلة لمواجهة الأزمات؛ بل هو أداة استراتيجية للتخطيط الواعي وصنع القرار الرشيد؛ بما يُسهم في رفع كفاءة الإنفاق العام وتحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات وتعزيز الثقة في مؤسسات الدولة. وحث على ترسيخ ثقافة إدارة المخاطر في أنظمة الجهات الحكومية والخاصة من خلال تطوير القدرات البشرية، ووضع سياسات واضحة، وتبادل الخبرات بين القطاعات، مشيرًا إلى أن ذلك يمثل خطوة أساسية نحو بناء اقتصاد وطني مرن وقادر على التكيّف مع المتغيرات وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
التحول الرقمي
من جهته، تحدث صالح بن عبيد الخالدي مستشار وقيادي في قطاع التقنية والاتصالات، عن ماهية المخاطر الجديدة في الاقتصاد الرقمي، قائلًا إنها تشمل الأمن السيبراني والجرائم المالية مثل ارتفاع هجمات الفدية، واختراقات سلاسل التوريد، والهجمات على أنظمة التشغيل الصناعية في قطاعات حيوية كالمياه والطاقة والموانئ، إضافة إلى مخاطر البيانات والخصوصية الناتجة عن تسرب البيانات الحسّاسة وضعف تصنيفها وحوكمتها وتحديات الامتثال لتشريعات حماية البيانات وتوطينها.

وأضاف الخالدي أن مخاطر الاعتماد المُركّز على البنى السحابية، تتزايد نتيجة تركّز الخدمات لدى مزوّدين محدودين؛ مما يُسبِّب مخاطر نظامية، إلى جانب فجوة المهارات والتحوّل التكنولوجي التي تتجلى في نقص الكفاءات ومقاومة التغيير والتحول الشكلي الذي يضيف تكاليف دون قيمة حقيقية، وتشمل أيضًا مخاطر الخوارزميات؛ مثل: التحيّز، والقرارات غير القابلة للتفسير، وتضارب المسؤوليات القانونية عند استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، فضلًا عن الفجوة الرقمية للمؤسسات الصغيرة بسبب ارتفاع الكلفة النسبية للامتثال والأمن، ما يُهدِّد تنافسية الشركات الصغيرة والمتوسطة.
ويشير الخالدي إلى أن الذكاء الاصطناعي والتحليلات التنبؤية يقدمان حلولًا متقدمة في هذا السياق؛ إذ يتيحان الإنذار المبكر والمراقبة الآنية من خلال نماذج ترصد الاختلالات والهجمات في الزمن الحقيقي عبر الشبكات والأنظمة الصناعية، كما تسهم نظم مكافحة الاحتيال والامتثال في التعرف على أنماط الاحتيال المالي وغسل الأموال ومخاطر الطرف الثالث عبر خوارزميات التعلُّم الآلي.
وأوضح الخالدي أن التحليلات الاقتصادية الكليّة تساعد على تتبع المؤشرات عالية التواتر، مثل: المعاملات والشحن والاستهلاك والأخبار، لإنتاج لوحات خطر مدعومة بتنبؤات قصيرة ومتوسطة الأجل. وذكر أن لوحات الخطر (Risk Dashboards) التي تُستخدم لمراقبة المؤشرات الاقتصادية أو التشغيلية لا تكتفي بعرض البيانات الحالية فقط؛ بل تكون مدعومة بتحليلات تنبؤية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقدير ما قد يحدث خلال الفترات المقبلة، مثل توقع تقلبات الأسواق، أو احتمالات حدوث أزمات مالية، أو تغيّرات في الطلب والاستهلاك خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة.
