رحلة النضال العربي من الفالوجا إلى غزة

 

 

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

عَرف النضال العربي ضد الاستعمار في العصر الحديث مفاصلَ تاريخية مُهمة، وتراكمًا كبيرًا، فما نراه في غزة اليوم من ملاحم لا تنفصل عن ملاحم الماضي القريب؛ بل تُستمد من بطولات ورموز من سبقوهم في مواجهة المُستعمِر.

في ما مضى عَرف النضال العربي خصوصيات جغرافية عربية بعينها، ولكن النضال من أجل فلسطين جمع العرب ووحدهم وسالت دماؤهم وتوحدت قبورهم على أرض فلسطين، الى درجة أثقلت على الأجيال اللاحقة ضرورة حمل مشعل المقاومة والنضال وفاءً لتلك الدماء ونصرة لأعظم حق وأعظم قضية وآخر احتلال عرفه العالم؛ وهو فلسطين العربية التاريخية من النهر الى البحر. لم تكن أرض فلسطين بوتقة للنضال العربي ورمزًا لكرامته وعزته وشرفه فحسب؛ بل كانت مصدر إلهام لثورة 23 يوليو 1952 الخالدة في مصر وثورة 14 تموز (يوليو) 1958م في العراق، وقد أحدثت الثورتان وقائع هائلة في الوطن العربي. وفي غزة اليوم يتكرر النضال العربي في صور أخرى، ويستمد شرعيته وجذوته من الرصيد التاريخي للنضال العربي بمجمله ضد الاحتلالات الاستعمارية الغربية. ما يُميز نضال الفالوجا بالأمس ونضال غزة اليوم، أن الأول أتى في زمن احتلال غربي مباشر على الأقطار العربية وألهم الأحرار العرب النضال وتحرير الأرض، وما يميز النضال في غزة اليوم هو التحرر من التبعية والهيمنة الغربية وتحرير العقل العربي من سرديات المحتل.

لا يُمكن النظر الى ملاحم "طوفان الأقصى" اليوم من زاوية التفوق العسكري للعدو ورعاته؛ بل من زاوية الإرادة العربية في المواجهة على القاعدة الربانية "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة". كما لا يُمكن مواجهة العدو في الميدان بالسلاح فقط؛ بل مواجهته بالعقل والرشاد والإرادة والإيمان بالحق ونصرة الله، والقتال مع الأرض ومن أجل الأرض لمغتصب لا يقرأ.

لا يمكن أن يمر "طوفان الأقصى" مرور الكرام، وهو الذي استنهض الأمة وأعاد لها روح العزة والكرامة، وأجبر الضمير العالمي على الهبَّة غير المسبوقة لنصرة فلسطين والحق العربي كحق إنساني.

جيل المقاومة اليوم هو امتداد لأجيال مقاومة الأمس، وبالتراكم المنطقي والعقلي سيحمل الجيل القادم مشعل النضال بفخر وعزة، وسينطلق من حيث انتهى الطوفان وجيله؛ ليُكمل المسيرة نحو التحرير، وسيتجاوز جميع الصعاب الميدانية، والمخدرات العقلية الفاخرة التي نثرها العدو ورعاته وسكبوها في عقول الأجيال العربية لتتقبل الهزيمة وقوة العدو المزعومة كقضاء وقدر لا يُرد.

"طوفان الأقصى" لم يُوقظ جذوة النضال والمقاومة لدى شباب الأمة العربية في زماننا؛ بل أيقظ العالم إلى خطورة الصهيونية العالمية وما تحيكه للعالم من شرور ومؤامرات، لهذا كانت غزة ضمير العالم بجدارة واستحقاق، فكانت حسابات المقاومة للنصر والتضحية بلا سقف في سبيل الوطن، بينما كانت حسابات المحتل كحسابات التاجر الجشع الى سقف خسائر محدودة.

ستهدأ ساحات القتال ويخبو ضجيج المعارك، وفي المقابل ستشتعل معارك الضمير والمشاعر والحواس ليولد نضال قادم تكون ساحته المعمورة برمتها؛ فالبشرية اليوم في أمسِّ الحاجة للفطرة والسَوِيِّة والاحتكام لسُنن التاريخ ودول الأيام والخلاص من حلف الشيطان الذي أزهق وأرهق البشر والشجر والحجر.

قبل اللقاء.. "قمة شرم الشيخ" مجرد تكرار وإعادة إنتاج فاشل ويائس لحلف بغداد، وكامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو ومُؤتمر مدريد، وإعادة إنتاج مخدرات سياسية جديدة وسرديات بالية طواها الزمن. "أمريكا تُريد، والله فعَّال لما يُريد".

وبالشكر تدوم النعم.

الأكثر قراءة