ازدواجية المعايير في استحقاق جائزة نوبل للسلام

 

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

تتجه الأنظار هذه الأيام إلى أوسلو العاصمة النرويجية التي تحتضن كل عام تسليم هذه الجائزة الرفيعة التي يطمح الحصول عليها القادة والزعماء الذين لهم دور في تحقيق السلم ونشر السلام في هذا العالم، ليس فقط في الحصول على أكثر من مليون دولار أمريكي القيمة المالية للجائزة؛ بل أيضا في بعدها المعنوي والمكانة السياسة لمن حقق ذلك الفوز العظيم الذي يُشار لحامليها بالبنان في الساحة الدولية.

ففي يوم 10 ديسمبر من كل عام؛ وهو يوم ذكرى وفاة ألفريد نوبل السويدي الجنسية الذي اخترع "الديناميت" الذي استُخدم في الحروب للقتل وتدمير البشر. مما دفع هذا المهندس الكيمائي أن يشعر بالندم وبتبرع بثروته التي جناها من بيع المتفجرات لهذه الجائزة التي يتم تتويج الفائزين فيها برعاية ملكية؛ فتتكون اللجنة التي تشرف وتمنح الجائزة من خمسة أعضاء من البرلمان النرويجي حسب وصية صاحب الجائزة.

لا شك بأن مملكة النرويج من الدول الوازنة والمميزة في مجال حقوق الإنسان واحترام الشعوب التي تكافح في سبيل الحرية كما هو الحال اعترافها المبكر بالدولة الفلسطينية وكانت استثناء في محيطها الأوروبي التي تتعامل بعنجهية مع الأجناس الأخرى من البشر غير الجنس الأبيض، وعلى الرغم من ذلك نال هذا الجائزة ظلما وبهتانا شمعون بيرز رئيس الحكومة الصهيونية الأسبق الذي ارتكب العديد من الجرائم التي يندى لها الجبين البشري؛ منها مجزرة قانا في جنوب لبنان، كما حصلت على جائزة نوبل للسلام السياسية والنشطة الحقوقية (اونغ سان سوكي) التي شاركت في إبادة مسلمي (الروهينجا) في بلدها ميانمار.       

ومن المؤسف حقاً أن يتجرأ بعض قادة العالم كالرئيس الفرنسي مثلا بالتفكير بترشيح لجائزة نوبل للسلام لمن لا يستحقها من تجار الحروب العبثية ومصاصي دماء الأبرياء لتحقيق أهدافهم الظاهرة والخفية منها. ومن المفارقات العجيبة أن يتقدم مجرم الحرب الذي قتل أكثر من 67 ألف فلسطيني في قطاع غزة، وذلك خلال العامين الماضين منهم 20 ألف طفل؛ والمطلوب في الأساس للمحكمة الجنائية الدولية لكونه متهم بالإبادة الجماعية وهو نتنياهو بترشيح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحصول على الجائزة  لهذا العام 2025 بزعم إنهاء 8 حروب في ثلاث مناطق وهي شبه القارة الهندية وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا.

وفي حقيقة الأمر تقدمت أيضاً جمهورية باكستان بترشيحه لجائزة نوبل للسلام في الوقت الذي ترفض الهند ذلك الترشيح وتؤكد بأن إنهاء الحرب التي اندلعت في مايو 2025 سببه تفاهمات مباشرة بين البلدين الجارين الهند وباكستان ولا دور للرئيس الأمريكي في تلك المحادثات التي أفضت إلى وقف الحرب مؤقتا وليس سلام دائم.

السؤال المطروح الآن؛ إلى أي مدى تنجح مبادرة الرئيس الأمريكي في تحقيق السلام بين حماس والحكومة الإسرائيلية التي يقودها الثلاثي المتطرف من أمثال: بن غفير وسموتريش ونتنياهو؟

لا شك بأن الدافع الحقيقي لما يعرف باتفاقية ترامب لأنهاء الحرب ليس لوقف المجاعة والإبادة الجماعية عن السكان الأبرياء في غزة، بل تهدف بالدرجة الأولى لتحقيق عدة أهداف معروفة أولها محاولته المستميتة للحصول على جائزة نوبل للسلام لهذا العام، وهذا بالطبع لم ولن يتحقق؛ إذ مُنحت الفنزولية ماريا كورينا ماتشادور جائزة نوبل للسلام وهي زعيمة المعارضة في بلادها. أما الهدف الثاني فيتمثل في فك أسر 20  من الجنود الإسرائيليين الذين يقبعون في أنفاق غزة منذ 7 أكتوبر 2023، لكون الجيش الإسرائيلي عجز عن إخراجهم بقوة السلاح طوال سنتين من الحرب الدموية، بينما يكمن الهدف الثالث تحقيق ما عجز عنه نتنياهو، وهو نزع سلاح المقاومة الفلسطينية.

وفي الختام.. يبدو لي بأننا نعيش في عالم يفتقد إلى أدنى مقاومات العدالة الإنسانية؛ وتتبعثر من أركانه المتعددة ازدواجية المعايير وسياسة الكيل بمكيالين؛ فإذا كان من يستحق جوائز للسلام في هذا الكون؛ ليس بالقطع من يستخدم الفيتو لمنع الدواء وحليب الأطفال لقطاع غزة وتهميش قرارات المنظمة الدولية، وكذلك من يرسل المقاتلات اف 35 والقنابل المحرمة دوليا لتدمير الشعوب المستضعفة وخاصة الدول الإسلامية، بل من المؤكد أن الجدير بالجائزة شخصيات كانت لها بصمة واضحة المعالم في إطفاء الحروب وحقن الدماء وحل النزاعات بالطرق السلمية انطلاقا من ميثاق الأمم المتحدة الذي يداس حاليا بالأقدام من اليمين المتطرف في الكيان الصهيوني وواشنطن.

ولعل من أبرز الأسماء الجديرة بهذه الجائزة في العام القادم 2026 سلطان السلام حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- والذي نجح في وقف نزيف الدم اليمني الذي استمر أكثر من سبع سنوات، ثم تحقيق التفاهمات بين أنصار الله الحوثي والحكومة الأمريكية لوقف الاستهدافات المتبادلة بين الطرفين في البحر الأحمر، والأهم من ذلك كله نجاح السلطنة في إدارة المفاوضات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران والوصول بها إلى الجولة الخامسة بأسلوب أبهر العالم من أقصاه إلى أقصاه ولكن ذلك لم يعجب من طلب الوساطة العمانية، ووسط تلك الإنجازات الدبلوماسية انقلب سماسرة الحرب على تلك الجهود الخيرة، وتم استهداف إيران واستباحة مدنها الآمنة ومنشآتها النووية السلمية بالمقالات الأمريكية (B - 52).

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

الأكثر قراءة