لؤلؤة الخليج كما عرفتها

 

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

كم هو جميل أن أحظى بالدعوة الكريمة من الزملاء في صحيفة البلاد البحرينية الذين تربطني بهم صداقة منذ سنوات طويلة، وذلك لخط هذه السطور التي تُعبِّر عن مناسبة وطنية عزيزة على كل عُماني في أرض الغبيراء، فأفراح البحرين ومناسباتها الوطنية لها وقع خاص على قلوبنا نحن بالذات؛ إذ تجمعنا بالأشقاء في مملكة البحرين علاقات حميمة من نوع خاص، كما إنني تشرفت بزيارة البحرين مرات عديدة وتجوَّلت في مختلف الأحياء والجزر البحرينية، فقد تعرَّفت عن قرب على ما يُكنّه المواطن البحريني من محبة صادقة واحترام منقطع النظير للشعب العُماني.

وبالفعل تمكن الآباء والأجداد في البلدين من تسجيل تلك الملحة الأخوية من التواصل والانسجام عبر العصور، وخاصةً منذ أربعينيات القرن العشرين حتى مطلع السبعينيات من نفس القرن، والتي تزامنت مع الرجوع إلى الوطن الأم، الذي شهد نهضة عُمانية شملت كل المجالات. ولكن البحرين سبقت جميع دول الخليج في التنمية الشاملة؛ فهي أول دولة في المنطقة دخلت إليها الكهرباء، وكذلك ظهرت فيها أول إذاعة مسموعة، وارتاد البحرينيون دور السينما قبل غيرهم من شعوب المنطقة، وانتشر فيها التعليم، وخرجت المدارس والجامعات البحرينية أجيالاً متعاقبة من المتعلمين، والذين شاركوا في بناء بلدهم وكذلك الدول المجاورة.

والأهم من ذلك كله هنا ونحن يجرنا الكلام وتتسابق الحروف لصياغة الكلمات المطرزة بالذهب للكتابة عن يوم مجيد؛ وهو العيد الوطني البحريني، والذي يصادف 16 من ديسمبر كل عام؛ إذ ارتبطت هذه المناسبة الخالدة بإنجازات اقتصادية واجتماعية وسياسية شامخة، تكتب بماء الذهب؛ كثمار لرؤية البحرين الاقتصادية 2030 المباركة والتي خُطِّط لها بعناية؛ لنقل المجتمع البحريني نقلة نوعية، وتمكنه بجهود أبنائه المخلصين من الشباب للولوج إلى مصاف الدول المتقدمة.

الحديث هنا عن مناسبة عزيزة والتي اقترنت بتأسيس الدولة على خارطة العالم والاعتراف الأممي بها؛ إذ يُعد ذلك واحدًا من أهم الإنجازات التي تحققت على أرض الواقع. إنها قصة كفاح وطن عظيم، وأصالة شعب انفرد بالتميز عن غيره من أمم هذا العالم المترامي الأطراف. فالنجاح أصبح مرادفا وحليفا لهذا الوطن العزيز، إنها قصة وطن اسمه "لؤلؤة الخليج"، فتلك يشار لها بالبنان بين دول المنطقة.

هكذا هي الأيام العطرة والخالدة في حياة الأمم والشعوب، لا تُنسى ولا يمكن لها أن تُمحى من ذاكرة الأجيال؛ لأنها تتميز برمزية خاصة، وذكرى طيبة تبهج الأنفس، وتأسر القلوب، وتريح العواطف، وتحلق بالطموح والأماني التي لا حدود لها إلى عنان السماء.

الحديث اليوم عن شعب أسَّس واحدة من أعرق الحضارات على وجه الأرض بدايةً بدلمون ثم تايلوس، ووصولًا إلى الحضارة الإسلامية في العصر الحديث. والأهم في هذه المسيرة المضيئة التي كتبت فصولها المشرقة كوكبة من القيادات التاريخية التي تُنسب لواحدة من أعرق الأُسر الحاكمة في الوطن العربي؛ سليل آل خليفة الميامين الذين تولوا حكم مملكة البحرين عبر العقود، وبالتحديد منذ 1783 ميلادية؛ بحكمةٍ واقتدارٍ. ولعل جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة- يحفظه الله ويرعاه- يأتي في مقدمة الذين كانت لهم بصمة فريدة وإنجازات خالدة في هذا البلد العزيز. فقد ارتبط اسم جلالته بالإصلاحات التي غيَّرت معالم الحياة في البحرين، والتي طالت كل ميادين الحياة في مطلع الألفية الجديدة وتحوَّلت فيها البلاد من إمارة إلى مملكة. لقد تميَّزت هذه القامة السياسية الرفيعة- المتمثلة بملك القلوب- بالنظرة الثاقبة والحكمة المعهودة التي حافظت على استقلال البلاد، وحافظت على قراراتها السيادية في أحلك الظروف في إقليم ملتهب، يتعرض بين وقت وآخر للحروب، والتدخلات الأجنبية في شؤونه.

وفي الختام.. إنني أنظر بكل تقدير واحترام إلى هذه المملكة الصغيرة في مساحتها، والعظيمة في شعبها، والكبيرة في حكمة قيادتها وإنجازاتها الحضارية، وإسهامات شعبها الإنسانية نحو العالم. والتي تعد مضربًا للمثل في كل النواحي.

إنَّ عُمان قيادةً وحكومةً وشعبًا؛ تهني وتبارك للقيادة البحرينية وشعبها الوفي بالعيد الوطني المجيد. وأسجل بهذه المناسبة الغالية أجمل التبريكات لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة؛ لما يُمثِّله من ثقلٍ سياسيٍّ وإرثٍ حضاريٍّ فريدٍ لبلدٍ مجيد وشعب عظيم؛ فالبحرين عنوان للعلم والثقافة والتاريخ التليد عبر الأزمان.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

الأكثر قراءة

z