سارة البريكية
خرجتُ كالعادة اليومية في الصباح الباكر يوم الثلاثاء بعد أن ودعتني والدتي بحب بالغ كعادتها، وصعدتُ الباص وأنا أشعر بالنعاس، لا أعلم، لكنني غفوتُ قليلًا متكئة بإحدى يدي على النافذة، ولكنني بعد وقتٍ صحوتُ لأجد نفسي وحيدة في باص المدرسة. خفتُ كثيرًا في البداية، ثم حاولتُ الخروج ولم أتمكن، فقد أُغلق الباص بإحكام بالغ. حاولتُ فتح النوافذ ولم أتمكن، وكنتُ في مصارعة مع القدر؛ فتعالت أنفاسي ولم أتمكن من التنفس، وشعرتُ باختناق وتوقف قلبي، وغادرت روحي إلى الجنة، لكنني بقيت أرى المشهد من بعيد. لم يشعر أحد باختفائي، ولم يتأكد أحد من وصولي إلى المدرسة؛ فالكل يتوقع أنني نزلتُ من الباص وذهبتُ مع بقية الطلاب إلى المدرسة.
لكن لم يكن أحد يدري بأني نائمة، وهذه المرة نومي سيطول. غادر الأطفال والطلاب من المدرسة، إلا أن الباص الذي ينقلنا لم يغادر، فأنا لازلت نائمة فيه. صعد الطلاب، وانفتح الباب أخيرًا، ولكن هذه المرة في الوقت الخطأ. ساعات الصباح الأولى والشمس الحارقة وقلة الأكسجين أودت بحياتي. لماذا لن أصحو من النوم؟ ولماذا لن أنزل إلى البيت لتستقبلني أمي بوجهٍ بشوش؟ لماذا يتجمع الجميع حولي؟ لماذا تأتي الإسعاف ويأخذونني إلى المستشفى؟ لماذا لا أرى وجه أمي بين كل الوجوه؟ أحتاج إلى أمي الآن أكثر من أي وقتٍ آخر. أمي، تعالي وامسكي بيدي، أمي، احضنيني، أمي، خذيني إلى المنزل، أمي، لا تصدقي أنني رحلت، أنا هنا، موجودة، فقط أريد أن أصحو من النوم كي أحتضنك وكي أرى والدي وإخوتي. أمي، لماذا يغطون وجهي بالأبيض؟ أمي، ما الذي يحدث هنا؟!
أنا شما، كنتُ ككل الطلاب، طالبة صغيرة قادمة للحياة الدراسية، وأمي وأبي أدخلاني لتلك المدرسة، وتم اختيار ذلك الباص وذلك السائق، ولكنهم لم يعلموا بأن نهايتي وفراقي الأبدي لهم سيكون من المدرسة، ولم يعلموا أنني لن أفتح دفاتري ولا كتبي مرة أخرى، ولم يعلموا أنني لن أقف مجددًا في الطابور الصباحي، وسأمضي بكل هدوء وأرحل عنهم رحيلًا أبديًا، ولن أستطيع أن أعود إلى المنزل مجددًا، لن أتمكن من النوم على سريري، ولا من اللعب بألعابي، ولا من مشاهدة اليوتيوب، ولا من تناول طعام أمي.
لماذا؟ والأسئلة تطول... لماذا ولماذا ولماذا؟ هناك آلاف ومئات الباحثين عن عمل، لماذا لا يُخصص لهم فرصة عمل وهي "مشرف طلابي"، للبنات خريجات الدبلوم العام اللاتي لم تسمح لهن الظروف بمواصلة الدراسة؟ كم فرصة عمل ستكون! وكم أسرة ستفرح بعودة الحياة إلى طبيعتها، فدخول طفلك إلى بيتك بعد يومٍ دراسيٍّ يعتبر حياة!
إلى وزارة التربية والتعليم، رسالة يجب أن تصل: أما آن الأوان لخلق سبل جديدة لضمان سلامة الطلبة والطالبات من الحلقة الأولى تحديدًا (1-4)؟ إما أن تكون هناك قيادات أخرى تستطيع أن تقدم الحلول المناسبة لإنهاء هذه الظاهرة المتكررة سنويًا؛ فسائق الحافلة بشر مثلنا، وليس معصومًا من الخطأ، ولا نعلم عن ظروفه الصحية أو الاجتماعية التي أدت إلى أنه لم يقم بالتفتيش اليومي؛ لذا يجب أن تُحل المشكلة جذريًا، وأن يكون هناك مشرفات مختصات للمراقبة والتحري والسؤال والاهتمام، كحال المدارس الخاصة في السلطنة، والعمل على توفير الحماية اللازمة في حال حدوث أي وضعٍ خارجٍ عن السيطرة.
شما عادت بلا روح، جسدٌ مسجّى... سرق الموت وأسبابه زهرة الربيع من بين أيدينا، رحلت كطيور الجنة وباتت تحلق في سماء جنة الخلد، ولكن من المسؤول عن رحيلها؟ وكيف ستكون الحياة بعدها؟
جبر الله قلب والدتها وأهلها وذويها، وخالص العزاء والمواساة لهم جميعًا، ولعُمان كافة في هذا المصاب الجلل.
إنا لله وإنا إليه راجعون.