الرؤية- أحمد السلماني
منذ بواكير انطلاقته الدولية، ظلَّ حلم التأهل إلى كأس العالم واحدًا من أكثر الأهداف رسوخًا في ذاكرة كرة القدم العُمانية، حيث خاض منتخب السلاطين أولى محاولاته الرسمية في تصفيات مونديال إيطاليا 1990، فاتحًا الباب أمام مسيرةٍ طويلة من السعي والإصرار والآمال المتجددة.
كانت البدايات عام 1989 ضمن مجموعة ضمّت العراق وقطر والأردن، في تجربة تأسيسية حملت أكثر من مجرد نتائج؛ فقد شكَّلت أول احتكاكٍ رسميٍ قويٍ للأحمر على مستوى التصفيات العالمية، واكتسب من خلالها المنتخب خبرة التنافس الآسيوي ومواجهة مدارس كروية مختلفة.
وفي تصفيات الولايات المتحدة 1994، شارك برازيل الخليج ضمن مجموعةٍ صعبة ضمّت إيران وسوريا وتايبيه الصينية، حيث برزت بوادر تطوّر الأداء رغم الفارق في الخبرة، فكانت تلك الحملة بمثابة جسرٍ نقل الكرة العُمانية من مرحلة المشاركة الرمزية إلى مرحلة بناء الشخصية الكروية القادرة على المنافسة.
ومع تصفيات فرنسا 1998، بدأت معالم الطموح الحقيقي تتشكّل، حين نافس الأحمر الكبير بقوة واحتلّ المركز الثاني خلف اليابان بعد سلسلة نتائج مميزة على حساب نيبال وماكاو. غير أن نظام التصفيات حينها كان يمنح التأهل فقط لأوائل المجموعات، ليُحرم منتخب السلاطين من بلوغ الدور النهائي رغم الأداء اللافت الذي قدّمه.
أما في تصفيات كوريا واليابان 2002، فقد كانت تلك المحطة الأبرز في مسيرة التطور، إذ تصدّر منتخبنا مجموعته في الدور الأول وتأهل إلى الدور النهائي ضمن مجموعة ضمّت الصين وقطر والإمارات وأوزبكستان. ورغم قوة المنافسة وصعوبة الظروف، خرج برازيل الخليج برصيد من النقاط والأداء المشرّف الذي لفت الأنظار إلى الجيل الذهبي الصاعد آنذاك.
وفي تصفيات ألمانيا 2006، واصل الأحمر الكبير بناء ذاته، فحلّ وصيفًا لليابان في مجموعته التي ضمّت سنغافورة والهند، مسجّلًا نتائج هجومية قوية، إلا أن نظام التأهل الذي يقصر الصعود على متصدري المجموعات فقط، وضع حدًّا لمسيرة منتخب السلاطين رغم المستوى المتطور الذي قدّمه.
ثم جاءت تصفيات جنوب أفريقيا 2010 لتؤكد رسوخ التجربة، حيث نافس الأحمر الكبير حتى الجولات الأخيرة في مجموعة ضمّت اليابان والبحرين وتايلاند، قبل أن يودّع التصفيات ثالثًا بفارق ضئيل، بعد عروض متوازنة وتطور تكتيكي واضح.
وفي الطريق إلى البرازيل 2014، قدّم برازيل الخليج أقوى ظهور له في التاريخ الحديث للتصفيات، إذ بلغ الدور الرابع الحاسم ووقف نِدًّا للعمالقة في مجموعة ضمّت اليابان وأستراليا والأردن والعراق. أمتع الأحمر جماهيره بأداء كبير ونتائج نوعية، أبرزها التعادل في سيدني والفوز على الأردن بمسقط، لكنّه أنهى المجموعة رابعًا بفارق بسيط عن الملحق القاري والذي ذهب الى الاردن بعد الخسارة بصعوبة في عمّان بهدف، لتُعد تلك المشاركة الأقرب إلى تحقيق الحلم المونديالي.
وفي تصفيات روسيا 2018، واصل منتخب السلاطين الأداء القوي وأنهى المرحلة الثانية وصيفًا لإيران في مجموعته التي ضمّت تركمانستان وغوام والهند، غير أن نظام التأهل لم يكن رحيمًا إذ منح بطاقات الصعود لصدارة المجموعات فقط وأفضل أربعة مراكز ثانية ولم يكن منتخبنا من ضمنها.
أما في تصفيات قطر 2022، فقد بلغت التجربة ذروتها الفنية. تأهل الأحمر الكبير إلى الدور الثالث النهائي بعد عروض قوية، ودخل مجموعة صعبة ضمّت السعودية واليابان وأستراليا والصين وفيتنام. حقّق منتخب السلاطين فوزًا تاريخيًا على اليابان في أوساكا بهدف عصام الصبحي يوم 2 سبتمبر 2021، ليكتب فصلًا خالدًا في مسيرته، قبل أن ينهي المشوار في مركز مشرّف بفضل أداء منضبط وشخصية فنية متكاملة.
لقد كانت تصفيات 2022 تتويجًا لمسارٍ طويلٍ من التدرج والاحترافية والانضباط، وبرهانًا على أن الحلم المونديالي العُماني لم يَخْبُ، بل يزداد وهجًا مع كل جيل جديدٍ يرتدي قميص الأحمر الكبير بشغفٍ وانتماءٍ وإصرارٍ على كتابة التاريخ.
منذ تلك الخطوة الأولى عام 1989 وحتى الحملة الأحدث في 2022، ظل منتخب السلاطين عنوانًا للطموح الوطني، ومرآةً لتطور كرة القدم العُمانية في بنيتها وتنظيمها ومواهبها. وبين البدايات المتواضعة والعروض البطولية الحديثة، تبقى مسيرة الأحمر الكبير شاهدة على أن الطريق إلى كأس العالم ليس حلمًا بعيدًا، بل هدفًا يتجدّد في كل جيلٍ من أجيال برازيل الخليج والذي وصل الى الملحق الآسيوي الرابع ليواجه قطر والامارات.