الرؤية- ريم الحامدية
صدر للكاتب والباحث سند بن حمد المحرزي كتاب "فلسطين في الذاكرة العُمانية"، عن دار النشر مكتبة بذور التميز للنشر والتوزيع، وهو عمل توثيقي وتحليلي يسلط الضوء على العلاقة العميقة والمتجذرة بين الشعب العُماني والقضية الفلسطينية عبر مختلف المراحل التاريخية، من خلال استعراض المواقف الرسمية والشعبية، والتفاعل الاجتماعي والثقافي، وصولاً إلى التوثيق في المراسلات والوثائق الرسمية.
وجاء الكتاب في خمسة فصول رئيسية، تناول كل منها زاوية محددة توضح كيف انعكست القضية الفلسطينية في ذاكرة العُمانيين وأبعاد تفاعلهم معها.
ففي الفصل الأول "التواصل الاجتماعي والعلمي وزيارة فلسطين والأماكن المقدسة" يفتح الكتاب فصله الأول بمسار الرحلات التي قام بها العُمانيون إلى فلسطين، سواء لأغراض علمية، دينية، أو اجتماعية. وقد ركز المؤلف على تأثير هذه الزيارات في بناء جسور التواصل بين العُمانيين وفلسطين، واستعرض الأماكن المقدسة التي زارها المواطنون العُمانيون، مثل القدس وبيت لحم والخليل، وكيف شكّلت هذه الزيارات رافداً مهماً لتعميق الارتباط الروحي والثقافي بالقضية.
كما يتطرق الفصل إلى اللقاءات العلمية التي جمعت الباحثين العُمانيين مع أقرانهم الفلسطينيين، وما نتج عنها من مشاريع علمية مشتركة، ومبادرات تهدف إلى تبادل المعرفة وتعزيز التعاون الثقافي والعلمي بين الجانبين. ويبرز الفصل كذلك جانب الوعي الشعبي العُماني الذي نما من خلال هذه التجارب، وكيف أصبح هذا التواصل جزءًا من ذاكرة المجتمع العُماني تجاه فلسطين.
أما الفصل الثاني فسلط الضوء على المجاهدين الفلسطينيين، وعمق الروابط التي ربطتهم بالعُمانيين من خلال الدعم المادي والمعنوي والسياسي. ويعرض الفصل شهادات ووثائق تروي قصص تعاون مباشر وغير مباشر بين العُمانيين وبعض الشخصيات الفلسطينية، مع تحليل لكيفية انعكاس هذه المواقف في المجتمع العُماني وتأكيده على أهمية التضامن مع الحقوق الفلسطينية.
ويستعرض الكتاب كذلك المبادرات التي قام بها العُمانيون لدعم المجاهدين، سواء عبر جمع التبرعات، المشاركة في الأنشطة التضامنية، أو تقديم الدعم الإعلامي الذي ساهم في نشر الوعي بالقضية الفلسطينية على المستويين المحلي والدولي.
وينتقل الفصل الثالث إلى دراسة أوسع لأشكال التواصل المختلفة حول القضية الفلسطينية، بدءًا من المراسلات الرسمية، مرورًا بالمنابر الإعلامية، وصولاً إلى الفعاليات الشعبية. ويقدم المؤلف أمثلة على الحملات والبرامج التي نظمتها المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني، ويحلل أثرها في تعزيز الصورة الذهنية للقضية الفلسطينية في المجتمع العُماني.
كما يسلط الفصل الضوء على الفعاليات الثقافية والاجتماعية التي جرت في مختلف محافظات السلطنة، والتي تعكس اهتمام العُمانيين بالقضية الفلسطينية، وتظهر مدى ارتباطهم بها على المستوى الشعبي بعيدًا عن البُعد الرسمي فقط.
ويعالج الفصل الرابع كيف تجسدت القضية الفلسطينية في الأدب والشعر والفنون العُمانية، مع استعراض أبرز الأعمال التي تناولت فلسطين سواء في الشعر النثري أو المقطوعات الشعرية أو الأغاني والفنون التشكيلية. ويؤكد المؤلف أن الأدب العُماني لعب دورًا بارزًا في نقل المشاعر الوطنية والوجدانية تجاه فلسطين، وأصبح جسراً ثقافياً يربط بين الشعبين عبر التاريخ.
كما يناقش الفصل التوظيف الرمزي للقضية الفلسطينية في الأعمال الفنية، وكيف ساهم هذا التفاعل الأدبي في تعميق الانتماء والوعي لدى الأجيال المختلفة من العُمانيين.
وفي الفصل الخامس، يقدم المؤلف مادة توثيقية نادرة مستمدة من موسوعة الوثائق السرية، التي توثق المواقف الرسمية والسياسية للسلطنة تجاه القضية الفلسطينية خلال فترة حكم السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- ويستعرض الكتاب ما ورد في هذه الوثائق من أخبار وتقارير تؤكد دعم السلطنة المستمر للقضية الفلسطينية، وسياساتها الثابتة على المستويات الدبلوماسية والإقليمية والدولية.
ويعرض الفصل الأمثلة على المبادرات التي قام بها القادة العُمانيون في سبيل تعزيز حقوق الفلسطينيين، مع تحليل لتأثير هذه القرارات والمراسلات على المواقف الشعبية والسياسية في السلطنة وخارجها.
ويؤكد المحرزي أن الكتاب ليس مجرد سرد تاريخي، بل محاولة لاستعراض العلاقة الإنسانية والثقافية بين العُمانيين وفلسطين، وتقديم قراءة متوازنة تجمع بين التاريخ والسياسة والثقافة والشعور الشعبي، في إطار يليق بمكانة القضية الفلسطينية في الوعي العُماني.