3 مبادرات وطنية رقمية تدعم مكانة السلطنة إقليميًا ودوليًا

خبراء لـ"الرؤية": عُمان تُحرز تقدمًا لافتًا في التحول الرقمي.. وحماية البيانات وخصوصية المستخدمين بصدارة التحديات

 

الرؤية- سارة العبرية

أشاد مختصون -في تحقيق صحفي- لجريدة الرؤية بالتقدم الذي أحرزته سلطنة عُمان في التحول الرقمي، مؤكدين على أهمية حماية البيانات وخصوصية المستخدمين، ومعالجة المخاطر التقنية والأمنية، وضمان استدامة الرقمنة من خلال ثقافة مؤسسية مرنة وقادرة على مواكبة التطورات التكنولوجية، بما يرسخ مكانة السلطنة كمركز إقليمي للابتكار الرقمي واقتصاد البيانات.

وقالت طوعة بنت عبد الله آل داوود رئيسة قسم التطوير والدراسات بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، "إن مشروع النموذج اللغوي العُماني "مُعين" يعدُّ نموذجًا لغويًا وطنيًا تم تطويره بالاعتماد على بيانات محلية 100%، مضيفة هذا ما سيمكِّن المؤسسات الحكومية من بناء تطبيقات لغوية ذكية تُحسِّن من الكفاءة التشغيلية وجودة الخدمات المقدمة في قطاعات مختلفة.

طوعة بنت عبد الله آل داوو.jpeg
 

وأشارت آل داوود إلى أنه يمكن استثمار "مُعين" في الإعلام العُماني عبر تطوير جودة التحرير الصحفي والتدقيق اللغوي، وتسريع إنتاج الأخبار والتقارير، إضافةً إلى دعم الإعلام الرقمي المتعدد الوسائط مثل تفريغ المقابلات وترجمة المحتوى وإنشاء نصوص للبرامج المرئية والمسموعة، كما يُسهم في الإعلام الاستقصائي من خلال تحليل البيانات والتحقق من الأخبار، وتعزيز الهوية الثقافية العُمانية عبر المحتوى باللهجة المحلية وتوثيق المواد الإعلامية، مع خفض التكاليف وبناء قدرات الإعلاميين، مما يجعله شريكًا استراتيجيًا لإثراء المحتوى الرقمي العربي ودعم التواجد الإعلامي العُماني إقليميًا ودوليًا".

وأوضحت آل داوود أن أبرز تحديات "مُعين" تتمثل في ضمان جودة وتنوع البيانات المحلية، وحماية خصوصية المستخدمين، وتأمين بنية تحتية حوسبية متقدمة لمعالجة البيانات الضخمة، كذلك يتطلب المشروع أبحاثًا مستمرة لضمان دقة النماذج ومواءمتها للتطورات اللغوية المتسارعة. وأضافت أنه من أجل تجاوز هذه التحديات "قُمنا بتدريب النموذج باستخدام بيانات موثوقة، لكنها كذلك لا تندرج في التصنيفات غير المصرح باستخدامها في النظام؛ حيث إن هذه البيانات في هذه المرحلة سوف تستخدم كمعين للموظف الحكومي في أعماله الداخلية وليس للجمهور والمستخدمين الخارجيين".

استوديو الذكاء الاصطناعي

وذكرت طوعة آل داوود أن استوديو الذكاء الاصطناعي يمثل منصة وطنية تجمع الخبراء مع المؤسسات الحكومية والخاصة والأكاديمية لتطوير حلول عملية قائمة على الذكاء الاصطناعي من خلال ورش العمل، والبرامج التدريبية، والدعم الاستشاري، وسيساعد الاستوديو في تسريع التحول الرقمي وتعزيز البحث والتطوير، مما يؤهله ليكون مركزًا إقليميًا للابتكار. وأوضحت أن الاستوديو يُتيح للشركات الناشئة فرصًا لتطوير منتجات وخدمات قائمة على الذكاء الاصطناعي يمكن تسويقها خليجيًا ودوليًا في جميع المجالات.

وأكدت أنه على الرغم من أن العقد محدد بثلاث سنوات، إلّا أن الاستدامة يمكن تحقيقها عبر استثمار هذه الفترة في بناء نتائج واقعية وقابلة للقياس، تشمل تنفيذ مشاريع ذات أثر وطني مباشر، وتأهيل كوادر عُمانية قادرة على مواصلة العمل بعد انتهاء العقد، إضافة إلى إرساء شراكات استراتيجية مع مؤسسات محلية ودولية، وبهذا يصبح العقد بمثابة مرحلة تأسيسية تؤمن قاعدة صلبة لمواصلة التطوير، وتضمن أن يستمر الأستوديو كمشروع وطني مستدام يتجاوز حدود المدة التعاقدية.

البوابة الوطنية للبيانات المفتوحة

أما عن البوابة الوطنية للبيانات المفتوحة، بيّنت طوعة آل داوود أن البوابة تُسهم في تعزيز الشفافية والمساءلة من خلال إتاحة بيانات دقيقة ومحدثة حول المشاريع الحكومية، والاقتصاد، والقطاعات التنموية المختلفة؛ بما يُقلِّل من فرص الممارسات غير العادلة ويُعزِّز ثقة المجتمع في الحوكمة، موضحه تنعكس هذه الشفافية إيجابًا على المستثمرين الأجانب؛ حيث تُمكّنهم من الوصول إلى معلومات موثوقة تساعد في تقييم الفرص والمخاطر بدقة، وتؤكد التزام الدولة ببيئة أعمال قائمة على الوضوح والمصداقية؛ الأمر الذي يُعزِّز جاذبيتها للاستثمار ويقوي سمعتها في المؤشرات الدولية ذات الصلة.

وقالت رئيسة قسم التطوير والدراسات بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات أن القطاعات الحيوية في سلطنة عُمان تستفيد من إتاحة البيانات الحكومية المفتوحة بشكل كبير لا سيما قطاعات الصحة، والنقل والخدمات اللوجستية، والطاقة والبيئة، والاقتصاد والأعمال، والتعليم والبحث العلمي، حيث تُمكِّن هذه البيانات القطاعات، من تحسين جودة الخدمات وكفاءتها، وتعزيز الابتكار، ودعم اتخاذ القرارات المبنية على الأدلة، فضلًا عن جذب الاستثمارات وتعزيز الشفافية في العمليات الحكومية.

اقتصاد البيانات

ولفتت آل داود إلى أن سلطنة عُمان يمكن أن تصبح رائدة إقليميًا في اقتصاد البيانات من خلال توظيف البوابة الوطنية للبيانات المفتوحة كمنصة استراتيجية لتعزيز الشفافية والابتكار، مؤكدة أن ذلك يتطلب الاستثمار في بنية أساسية رقمية متقدمة، واعتماد أطر حوكمة وتشريعات واضحة، وتنمية القدرات الوطنية في مجالات البيانات والذكاء الاصطناعي، إلى جانب تحفيز القطاع الخاص على تطوير تطبيقات وخدمات رقمية قائمة على البيانات، وأن تحقيق هذا التكامل سيمكن السلطنة من بناء منظومة تنافسية تسهم في جذب الاستثمارات وترسيخ مكانتها كمركز إقليمي لاقتصاد البيانات.

وأبرزت طوعة آل داوود المخاطر التي تنطوي على تبنِّي تقنيات الذكاء الاصطناعي في سلطنة عُمان، والتي تتطلب إدارة واعية، من أبرزها: قضايا الخصوصية وأمن البيانات، والتحيُّزات الخوارزمية، والاعتماد المُفرِط على الأنظمة الذكية، إضافة إلى التحديات المرتبطة بفجوة المهارات وآثارها على سوق العمل. وأشارت في السياق ذاته أن ثمة مخاطر أخلاقية وتشريعية تتعلق باستخدام التقنيات في مجالات حساسة، إلى جانب التهديدات السيبرانية المحتملة، مؤكدةً أن ذلك يستدعي تطوير أُطر حوكمة مرنة وتشريعات متكاملة تعزز الاستخدام المسؤول والآمن لهذه التقنيات بما يحقق الفائدة التنموية المرجوة.

التحول الرقمي

من جهته، قال المهندس عبد العزيز بن عبد الرحمن الخروصي مدير عام التحول الرقمي وتمكين القطاعات بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات إن البرنامج الوطني للتحول الرقمي الحكومي أصبح منصة للتجديد والابتكار في تقديم خدمات رقمية أكثر سلاسة وفاعلية، وتمكين الكفاءات الوطنية، ودعم تنمية المحافظات، وتعزيز شراكات الاستثمار التي تجعل من سلطنة عُمان مركزًا إقليميًا للبيانات والذكاء الاصطناعي، بما يواكب رؤية "عُمان 2040"؛ حيث انعكس أثر البرنامج على تعزيز كفاءة وإنتاجية المؤسسات، ورفع جاهزيتها التقنية، وتمكين بيئة الأعمال.

م. عبد العزيز بن عبد الرحمن الخروصي.jpeg
 

وأشار الخروصي إلى أن سلطنة عُمان حققت تطورًا ملحوظًا في المؤشرات المحلية والإقليمية والدولية للتحول الرقمي؛ إذ أحرزت المركز الأول في منطقة غرب آسيا والمركز التاسع عالميًا في مجال البيانات المفتوحة لعام 2024، وتقدمت 26 مركز محققة المرتبة 22 عالميًا في مؤشر البنية الأساسية للاتصالات لعام 2024 بحسب تقرير إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمانة العامة للأمم المتحدة. ولفت إلى ارتفاع متوسط أداء المؤسسات الحكومية في تحقيق متطلبات التحول الرقمي الحكومي إلى 81% حتى مايو 2025، مقارنة مع 57% في ديسمبر 2020.

وذكر الخروصي أنه تم إطلاق دليل فهرسة الخدمات الحكومية الرقمي، وتصنيف أكثر من 4100 خدمة حكومية، سعيًا لرفع مستوى الشفافية وإتاحة كافة المعلومات حول الخدمات الحكومية رقميا، وإنجاز 11.4 مليون معاملة رقمية خلال الفترة من يناير إلى مايو 2025 عبر 48 جهة حكومية، إضافة إلى 163 مليون عدد سجلات البيانات المتبادلة رقميا عبر المنصة الوطنية للتكامل، وبلغت نسبة الاداء في مشروع تطوير وترقية البنية الرقمية الأساسية للمؤسسات الحكومية 86%، ورفع نسبة جاهزيتها للعمل عن بعد حتى 90%".

وحول أبرز التحديات التي تواجه تطبيق التحول الرقمي في القطاع الحكومي، قال الخروصي: "وجود قصور لبعض التشريعات واللوائح عن مواكبة التطورات التقنية المتسارعة، وتزايد المخاطر المتعلقة بحماية البيانات والخصوصية، إلى جانب تعقيدات البيروقراطية التي تؤدي إلى بطء اتخاذ القرار، كما تبرُز الفجوة الرقمية داخل المؤسسات نتيجة مقاومة ثقافية داخلية نتيجة تفضيل بعض الموظفين والقادة للأساليب التقليدية، وهو ما يحد من تبني التقنيات الحديثة ويؤثر على العائد من الاستثمار، ويمثل نقص الكفاءات الرقمية في مجالات مثل الابتكار الرقمي والذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والأمن السيبراني تحديًا رئيسيًا، إضافة إلى ذلك، تعيق الأنظمة التقنية القديمة وتعدد المنصات المتفرقة جهود الابتكار وتفرض تكاليف عالية على الصيانة والتطوير؛ مما يجعل موازنة التحديث مع استمرارية الأعمال قضية جوهرية، إلى جانب محدودية استدامة بعض المبادرات التي تتوقف بانتهاء التمويل دون إدماجها في الخطط الإستراتيجية طويلة الأمد.

وبيّن أنه يمكن معالجة هذه التحديات من خلال تحديث الأطر التشريعية، وتعزيز منظومة الأمن السيبراني، وتبسيط الإجراءات الإدارية، والاستثمار في تنمية القدرات الرقمية والتدريب المستمر وإعادة تأهيل الكوادر البشرية، إضافة إلى ضمان دمج مبادرات التحول ضمن استراتيجيات المؤسسة لضمان استمراريتها.

من جانبها، قالت إيمان بنت محمد الراجحية مديرة مكتب إدارة مشاريع تقنية المعلومات بوزارة التربية والتعليم إن وجود ممكنات ذكاء اصطناعي خاصة بالسلطنة، وخصوصًا النموذج اللغوي بالهوية العُمانية، واستوديو الذكاء الاصطناعي، سيُتيح الفرصة لجميع المهتمين في المجال من التعرف عن قرب على التقنيات لوجودها بالسلطنة، كما إنها ستُعزِّز موقع السلطنة في مجال الذكاء الاصطناعي وستمكن من بناء خبرات محلية. وأضافت أن البوابة الوطنية للبيانات المفتوحة تمثل محركًا أساسيًا للبيانات المفتوحة إذا تكاتفت جميع الجهات الحكومية بإدخال البيانات ومتابعة التحديثات لها؛ الأمر الذي سيُعزِّز من توفُّر قاعات بيانات مفتوحة مركزية ويمكن أن تغذي النموذج اللغوي العُماني.

إيمان بنت محمد الراجحية.jpeg
 

وحثت الراجحية الجهات المعنية على أهمية تسهيل الإجراءات ودعم الشركات الناشئة والشباب العُماني؛ ليتمكنوا من الإبداع والمساهمة في تحقيق رؤية عُمان للتحول الرقمي، ودعت الشباب إلى ضرورة الاطلاع على المستجدات والتخصصات في هذا المسار، حتى يتمكنوا من الإبداع والوصول إلى مستوى الاحترافية فيه.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة