◄ البلوشي: الأوضاع الاقتصادية والتسريح من العمل من أسباب تفكك الأسر
◄ العبري: الاستقلال المالي للمرأة قد يسبب توترا وصراعا على السلطة الأسرية
◄ التحذير من تسلل أفكار التيارات النسوية إلى مجتمعاتنا والتي تتسبب في صدام داخل الأسرة
◄ الفارسي: حالات الطلاق طبيعية نتيجة لزيادة عدد السكان
◄ البلوشية: ارتفاع حالات الطلاق يستدعي وقفة تحليلية من منظور قانوني واجتماعي
◄ أماني بنت سالم تقترح تشكيل لجنة إصلاح أسري لمحاولة التوفيق قبل اللجوء للطلاق
◄ الفورية: المطالبة بالحقوق وإغفال الواجبات سبب رئيسي في تفكك الأسرة
◄ الشعيبي: وسائل التواصل الاجتماعي تنشر أنماطا معيشية غريبة عن مجتمعاتنا لإضعاف الروابط الأسرية
◄ المنظري: ضعف الوازع الديني وغياب المودة والرحمة تفاقم الأزمات الأسرية
الرؤية- ناصر العبري
أكد عدد من القانونيين والمواطنين أن الإحصائيات الرسمية حول معدلات الطلاق في سلطنة عمان، تشير إلى ارتفاع كبير في عدد حالات الطلاق، الأمر الذي يستوجب تضافر جهود كافة المؤسسات والأفراد لمعالجة هذا الأمر.
وأضافوا- في تصريحات لـ"الرؤية"- أن تبني رؤية قانونية وقائية تقوم على التعليم المسبق للحقوق والواجبات، والاستشارة المبكرة، والتشريع الرادع عند اللزوم كفيل بالحد من حالات الطلاق في المجتمع العُماني.
ويقول المحامي يوسف بن أحمد البلوشي إن مشكلة الطلاق ليست نتيجة للخلافات الشخصية وفقط، بل قد تكون انعكاسا للعوامل الاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمتها فقدان مصدر الدخل نتيجة التسريح من العمل، في ظل غياب نصوص قانونية واضحة تضمن استمرار الدعم المادي والمعنوي لتلك الأسر، مؤكدا أهمية الإسراع في سن تشريع قانوني يكفل وصول المنافع والمساعدات مباشرة إلى أسر العاملين المسرحين من أعمالهم.
ويضيف أن التسريح الذي تلجأ إليه بعض المؤسسات يؤدي إلى انقطاع الدخل المالي، وهو ما يخلق أزمات معيشية وضغوطًا اجتماعية قد تنتهي بتفكك الأسرة، ولذلك ينبغي أن تصرف المنافع حصريًا بما يكفل العيش الكريم للأسرة، بعيدًا عن أنماط الإنفاق الأخرى، حتى تتحقق الغاية الأساسية من الدعم، لافتا إلى أنَّ الأسرة تمثل الركيزة الأساسية للمجتمع العُماني، وحمايتها مسؤولية تضامنية تقع على عاتق الدولة والمؤسسات والمجتمع المدني.
من جهته، يرى عبدالله بن مبارك بن سيف العبري، أكاديمي ومحامي، أن الطلاق ظاهرة اجتماعية قديمة، وهو في أصله حلٌّ شرعي استثنائي يُلجأ إليه عند استحالة استمرار الحياة الزوجية، إلا أنّه في العصر الحديث بدأ يشهد ازديادًا ملحوظًا لأسباب متعددة، بعضها متجذر في المشكلات الأسرية القديمة، وبعضها مستجد يرتبط بالتحولات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي يشهدها العالم.
ويوضح: "من أبرز تلك الأسباب الاستقلال المالي للمرأة ودخولها ميادين العمل، الأمر الذي يمكن استغلاله من قبل البعض في اتجاهات سلبية تؤثر على وحدة الأسرة، إذ إن بعض النساء أصبحن يشعرن بالاستغناء عن الزوج، فتقل درجة حرصهن على تماسك الأسرة، وفي المقابل، قد ينشأ لدى الرجل شعور بالتهديد أو الغيرة من تفوق المرأة الاقتصادي، مما يؤدي إلى توتر العلاقة وانهيارها".
ويشير العبري إلى أن من أبرز التحولات الاجتماعية الحديثة ضعف أو تهميش الدور التقليدي للرجل داخل الأسرة، فبينما كان يُنظر إليه قديمًا بوصفه عماد البيت وقائد الأسرة، أصبح اليوم في بعض البيوت يُعامل كعنصر ثانوي، خصوصًا حينما تهيمن الزوجة على القرار بحكم دخلها أو مكانتها الاجتماعية، وهو ما يحدث صراعا على السلطة الأسرية، ويفقد الزوج دافعيته لمواصلة العلاقة، وقد يشعر أنه "غريب" داخل بيته".
ويؤكد العبري: "لقد تسللت كثير من أفكار التيارات النسوية العالمية إلى مجتمعاتنا عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وبعض هذه الأفكار تطالب بإنصاف المرأة من مظالم حقيقية، لكن كثيرًا منها يتجاوز إلى الدعوة لقطيعة مع الرجل أو الاستغناء عنه، أو تصويره كخصم لا شريك"، مبينا أن ازدياد نسب الطلاق في المجتمعات المعاصرة نتيجة طبيعية لتحولات اجتماعية وثقافية واقتصادية عميقة، غير أنّ هذا لا يعني أنّ الزواج محكوم عليه بالفشل، بل إنّ الحل يكمن في تعزيز وعي الزوجين بقيمة الأسرة، وتربية الأجيال على ثقافة الحوار والتفاهم، وإعادة التوازن في الأدوار بين الرجل والمرأة بما يضمن التكامل لا الصراع.
وفي السياق، يؤكد المحامي قاسم بن محمد بن سالم الفارسي إن حالات الطلاق لا ترتقي إلى وصفها بـ"الظاهرة" وإنما هي زيادة طبيعية وفقا لزيادة عدد السكان ولتوغل المدنية في مختلف جوانب الحياة، والتي بسببها تقزم دور الأسرة في حل تلك الإشكالات.
ويضيف: "معالجة هذا الأمر يكون من خلال التوعية بدور الأسرة وكيفية الحفاظ على الترابط الأسري".
وتذكر المحامية أماني بنت سالم البلوشية، أن سلطنة عُمان شهدت في الآونة الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في حالات الطلاق، مما أثار قلقًا مجتمعيًا وتربويًا، إذ تكشف إحصائية رسمية صادرة عن المجلس الأعلى للقضاء عن تسجيل حوالي 2800 حالة طلاق خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025، وهو رقم يعادل تقريبًا أكثر من عشر حالات طلاق يوميًّا لافتة إلى أن هذا الارتفاع السريع يستدعي وقفة تحليلية من منظور قانوني واجتماعي لفهم الأسباب الكامنة وراء تفكك الأُسَر العُمانية، وصولًا إلى طرح حلول عملية وتشريعية تكبح جماح هذه الظاهرة المقلقة.
وتحدثت عن أسباب الطلاق قائلة: "الكثير من الأزواج يفتقرون للمعرفة الكافية بحقوقهم وواجباتهم القانونية في الحياة الزوجية، وكذلك العامل الاقتصادي يُعد من أبرز الأسباب وأكثرها تأثيرًا في الخلافات الزوجية، إلى جانب أن كثيرًا من حالات الطلاق تحدث في السنوات الأولى من الزواج، مما يدل على أن بعض الزيجات تمت دون دراسة كافية أو استعداد نفسي واجتماعي ملائم، كما أن غياب برامج التوعية قبل الزواج وإرشاد الشباب لكيفية اختيار شريك الحياة والتعامل مع الخلافات يترك الأزواج دون أدوات لحل المشكلات، فيجدون الطلاق مخرجًا سهلاً، أضف إلى ذلك أن منصات التواصل الاجتماعي تتيح الاطلاع المستمر على أنماط حياة أخرى، مما يزرع المقارنات غير الواقعية ويولّد عدم الرضا عن الحياة الزوجية الحالية، وأخيرا التدخلات الأسرية والتغيرات الثقافية التي قد تكون سببا مباشرا في الطلاق وإفساد الحياة الأسرية".
وتشدد المحامية أماني بنت سالم البلوشية على ضرورة وضع حلول عملية وتشريعية للحد من حالات الطلاق، مثل إلزامية التثقيف القانوني والتأهيل قبل الزواج، واعتماد دورات تأهيل زواجي تشمل أسس التواصل بين الزوجين، وتشجيع الاستشارة القانونية والأسرية المبكرة، وتنفيذ حملات إعلامية تكسر حاجز الخجل أو الخوف من طلب المساعدة المتخصصة، وتشكيل لجنة إصلاح أسري أو جلسات استشارية رسمية لمحاولة التوفيق قبل اللجوء للطلاق".
وتتابع قائلة: "من الضروري تحديث قانون الأحوال الشخصية بحيث يُواكب المستجدات كالتحديات الناجمة عن إساءة استخدام وسائل التواصل، أو الحاجة لمواد تُعزّز المسؤولية تجاه الأبناء بعد الطلاق، وبما يضمن حماية الحقوق بشكل يشجّع المتضرر على محاولة الإصلاح بدل اللجوء الفوري للانفصال".
من جهتها، تلفت المحامية هدى بنت ناصر بن خميس الفورية إلى أن ارتفاع معدلات الطلاق بات أمرا مقلقا لما يترتب عليها من آثار اجتماعية تمسّ لبنة المجتمع الأولى وهي الأسرة، مبينة أن من أسباب هذا الارتفاع غياب المودة والرحمة بين الزوجين، وتحول الزواج إلى مجرد علاقة شكلية لا تحمل في طياتها معاني السكن والطمأنينة، وكذلك وقوع الخيانة الزوجية والتي تُعد سبباً مباشراً لانهيار الثقة بين الزوجين وتفكك الحياة الزوجية، والضغوط الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة وما يرافقها من خلافات حول متطلبات الحياة اليومية، وكذلك ضعف الوعي بالحقوق والواجبات الزوجية، مما يجعل كل طرف يطالب بحقوقه وينسى واجباته".
وحول الحلول، توضح: "مواجهة هذا الأمر يستلزم نهجا شاملا تتكامل فيه الأبعاد التربوية والاجتماعية والإعلامية، فالتأهيل قبل الزواج أصبح ضرورة، كما أن دعم مراكز الإرشاد الأسري وتفعيل دورها في الإصلاح والوساطة قد يجنب الكثير من الأسر الانهيار المبكر، ولا بد من تعزيز قيم الحوار والتفاهم والتسامح، فضلاً عن تفعيل دور لجان الإصلاح الأسري بما تمتلكه من خبرة وحياد".
ويقول الدكتور أحمد بن علي الشعيبي مدير إدارة الأوقاف والشؤون الدينية بمحافظة البريمي: "ففي بعض الولايات، سجلت معدلات الطلاق أرقاماً قياسية، مما يعكس تغيرات اجتماعية وثقافية متسارعة في المجتمع العماني".
ويذكر: "تتفق معظم الدراسات الاجتماعية في عُمان على أن أسباب الطلاق تتقاطع بين الإهمال الديني والتأثيرات الاجتماعية الحديثة، كما أن الإخلال بالمنظومة الحقوقية والواجبات الشرعية يؤدي لخرق العقد الاجتماعي والشرعي للزواج، إلى جانب غياب مبدأ التروي والإصلاح في حل المشاكل ولذلك يتم الإسراع في قرار الطلاق، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي تساهم في نشر أنماط حياة غريبة عن القيم المحافظة للمجتمع العُماني، مما يضعف الروابط الأسرية ويزيد من احتمالات الخيانة الزوجية".
أما عادل بن عامر بن سالم المنظري -واعظ ديني- فيقول: "الإنسان بطبيعته وفطرته محتاج إلى العلاقات الاجتماعية؛ إذ لا غنى له وإنَّ من أقوى تلك العلاقات ما بين الجنسين هي العلاقة الزوجية؛ لأنها تلبي داعي الفطرة بالطرق السليمة، فيُبنَى المجتمع على الفضائل الكريمة والأخلاق الحميدة، ولقد جاء الإسلام ليؤطِّر الزواج بضوابط شرعية، فجعل له أركانا وشروطا في الزوج والزوجة والعقد؛ لأنَّ الزواج حياة وعشرة وميثاق غليظ {وأخذن منكم ميثاقا غليظا}. إلا أنَّ هذه العلاقة قد تتكدر صفوها لأسباب كثيرة؛ فتصبح النفوس ضيقة، والأطباع متنافرة، فشرع الإسلام للفراق بين الزوجين طرقا، منها الطلاق إلا أنه عندما شُرِع ليكون حلا وعلاجا لا يكون مشكلة وآفة اجتماعية، تجني منها الأسر والمجتمعات الضرر، والضحية الأولاد ثم يصطلي نارها الجميع الزوجان والأسرة والمجتمع والمؤسسات".
ويوضح: "أسباب كثرة الطلاق متعددة -كما ذكر العلماء- منها: العجلة في الاختيار: يتعجل بعض الأزواج في الاختيار، والأصل أن كلا الشخصين يسأل عن بعضهما، يسأل عن دينه، وخلقه، وحسبه، وماله، وجماله إلا أنه يُقدِّم الدِّينَ والخلقَ؛ لأنه بوجودهما يوجد الخير، كما جاء في الحديث "فاظفر بذات الدِّين تربت يداك". والجهل بالحقوق: إنَّ الزواج له كثير من الحقوق، فللزوج حقوق، وللزوجة حقوق، وليس الزواج مجرد علاقة لقضاء الوطر، بل إنَّه حياة مودة ورحمة وأنس وألفة ومحبة، فعلى كلا الزوجين أن يكون حسن المعشر لزوجه {وعاشروهنَّ بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا}، وهذا يتطلب أن يتعلم كلا الزوجين الحقوق الواجبة التي عليه قبل أن يتعلم الحقوق الواجبة التي له، و ضعف الوازع الديني:- عندما تكون حياة الزوجين مليئة بالإيمان، مفعمة بذكر الله، متصلة بالله في كل شؤون حياتهم؛ فإنَّ الراحة والاطمئنان والسكينة تلازمهم، وبذلك يكون كلا الزوجين متحكِّما بمشاعره، منتبها لتصرفاته، مستحضرا لواجباته؛ ولذلك جاء في الحديث "إذا أتاكم من ترضون دينه وخُلُقه فزوجوه" ، أمَّا الذي هو بعيد ربه، غير متمسك بدينه، ولا محافظ على عبادته من صلاة وغيرها فإنَّ الضيق والاضطراب يكون ملازما له {ومَن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين}؛ وبذلك يتصرف تصرفات بعيدة عن الحق والأخلاق؛ فمن ضيَّع حق الخالق هان عليه حق المخلوق. قلة المراعاة لظروف والنفسيات: فإنَّ كلا الزوجين يمران بظروف مختلفة، فالزوج قد تمر عليه ضغوطات اقتصادية، أو ضغط عمل، أو عليه مسؤوليات اجتماعية كثيرة؛ فيحتاج من الزوجة أن تراعي ذلك، وكذا الزوج عليه أن يراعي زوجته فقد تمر بأمراض وأسقام، أو العادة الشهرية، أو الحمل والرضاع، من غير مسؤوليات البيت والأولاد؛ ولذلك لا بد من المراعاة "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيَّته".