أحمد السلماني
شهدت قاعة فندق شيراتون عُمان مساء الثلاثاء الماضي حدثًا مهمًا لرياضة الهوكي في السلطنة، والذي يُمكن أن أُسميه "بعثًا" جديدًا لهذه الرياضة العريقة، بالتزامن مع سحب قرعة النسخة الخامسة والخمسين من كأس جلالة السلطان للهوكي، وسط حضور رسمي وإعلامي مهيب يعكس المكانة التي باتت تحتلها هذه اللُعبة.
لكن ما لفت الأنظار حقًا هو الرقم القياسي في عدد الأندية المشاركة؛ إذ بلغ 20 ناديًا، بعد أن كان في النسخة السابقة 16 ناديًا، هذه الطفرة لم تأتِ من فراغ؛ بل تعكس جهودًا متواصلة لاتحاد الهوكي في توسيع قاعدة الممارسة واستعادة وهج اللعبة بعد أن فقدت بريقها على مدى عقدين ونصف العقد من التراجع المريع للعبة بالأندية والمؤسسات التي كانت تنشط بها.
الهوكي في سلطنة عُمان ليس وليد اللحظة؛ بل هو من أعرق الرياضات التي دخلت البلاد مطلع القرن الماضي عبر السفن البريطانية والهندية، لتصبح مع مرور العقود رياضة راسخة في ذاكرة الأجيال. فقد كانت السلطنة سبّاقة خليجيًا في مُمارسة اللعبة، وشهدت المدارس والمؤسسة العسكرية بدايات انتشارها، فيما أسهمت أسماء بارزة في تأسيس كينونتها الأولى. لكن كبقية الرياضات، عانت اللعبة من تراجع ملحوظ منذ نهاية التسعينيات، حتى باتت شبه غائبة عن المشهد الرياضي. واليوم تعود بروح جديدة، حاملة معها دلالات مُهمة على إمكانية بعث الألعاب "الشهيدة" من جديد.
الموسم الحالي يحمل الكثير من المؤشرات الإيجابية؛ فإلى جانب مشاركة نادي عبري لأول مرة في تاريخه، شهدت البطولة عودة نادي فنجاء بعد غياب دام 34 عامًا، والرستاق بعد سنوات طويلة من التوقف. هذه الأسماء العريقة حين تلتقي بأندية راسخة مثل أهلي سداب والسيب والعامرات والنصر وصلالة وظفار، فإننا أمام لوحة متكاملة تعكس الانتشار الجغرافي والتنوع في المشاركات.
ولا يمكن إغفال الدور الكبير للشراكات المؤسسية التي عقدها اتحاد الهوكي مع شركات مثل جندال حديد ومجموعة مستشفيات بدر السماء، إلى جانب عدد من المؤسسات الاقتصادية والتجارية. هذه الرعايات ليست مجرد دعم مالي، بل هي تأكيد على أن الرياضة العُمانية باتت جاذبة للقطاع الخاص الذي يرى فيها استثمارًا واعدًا ومسؤولية مجتمعية رفيعة.
نجاح اتحاد الهوكي في استقطاب عشرين ناديًا هو إنجاز ينبغي أن يكون مثالًا لبقية الاتحادات الرياضية. فالتجربة تؤكد أن الحلول العملية متاحة، من خلال تقديم دعم مادي مباشر للأندية المشاركة، وتوفير الأطقم والمستلزمات عبر مناقصات موحدة تخفف الأعباء المالية، إذ إنَّ تكاليف مستلزمات الهوكي مكلفة، إلى جانب إطلاق دوريات موازية للفرق الأهلية والشركات، والتركيز على الفئات السنية عبر برامج تأهيلية للمدربين والإداريين.
إن رياضة الهوكي التي كانت يومًا ما عنوانًا للسبق العُماني في المنطقة تستحق أن تعود إلى موقعها الطبيعي بين الرياضات الجماهيرية، خاصة إذا ما علمنا أنها من الرياضات المحببة للمقام السامي لمولاي حضرة صاحب الجلالة السُّلطان المُعظم وكان في يوم ما من مُمارسيها.
إنَّ ما تحقق هذا الموسم ليس نهاية المطاف، بل بداية جديدة تحمل في طياتها رسالة واضحة، أن الإرادة والإدارة قادرتان على إحياء ما كنَّا نعتقد أنه بدأ يضمر ويتلاشى. والكرة الآن في ملعب بقية الاتحادات لتستلهم الدروس وتعمل على تكرار التجربة بروح لا تعرف المستحيل.