خالد بن سالم الغساني
ما يجري على خط مسقط-صلالة الجوي، لم يعد من الممكن عدُّه خللًا إداريًا يمكن أن يحدث بشكل اعتيادي لأي مؤسسة مماثلة، أو إجراء لمرة جانبه الصواب وتم تعديله لاحقًا، بل إنه تحول إلى معاناة متكررة تثقل كاهل المسافر وتكشف فراغًا كبيرًا في مفهوم الخدمة.
فمثلًا إلغاء الرحلات دون إشعار مسبق للركاب، كما حدث مع الرحلة رقم 922 بتاريخ 2 أكتوبر 2025، وتحويل الركاب بشكل غير مُنظَّم إلى رحلات أخرى، ودون إبلاغهم أو استشارتهم أو حتى إبداء أي عذر قد يسهم في تهدئة استيائهم، لا يمكن اعتباره بالتأكيد خطأً غير مقصود؛ بل ربما انعكاس لضعف الإدارة وتراجع المهنية؛ حيث لا اعتبار لحقوق المسافرين ولا لالتزاماتهم أو خياراتهم ولا حتى لطريقة التعامل معهم، فما بال الاعتذار منهم؟!
يزداد الأمر سوءًا حين يُطالِب المواطن بحقه في استرجاع قيمة التذكرة، بعد أن يقتنع في لحظة غضب بأنه سيجد الوسيلة الأخرى للوصول إلى وجهته، وبدلًا من أن يجد خدمة مرنة وسريعة ترد له حقه فورًا وتهدئ من ثورة غضبه، يُطلب منه الدخول في متاهة طويلة من المراسلات عبر البريد الإلكتروني، وانتظار أسابيع للحصول على رد قد لا يتجاوز اعتذارًا شكليًا لا يُغيِّر شيئًا من الواقع. هذه البيروقراطية الباردة لا يمكن أن تُعبِّر عن شركة تسعى لخدمة المواطن؛ بل عن شركة بعيدة كل البعد عن الوفاء بحقوقه.
مثل هذا الخلل ليس فنيًا ولا إجرائيًا يمكن تجاوزه بسهولة والسكوت عن نتائجه والقبول بها ببساطة، ذلك أن أثره يمتد إلى حياة الناس بشكل مباشر؛ فالمريض الذي يسافر على أمل اللحاق بموعد علاجي حاسم قد يخسر صحته بسبب إلغاء أو تأخير غير مُبرَّر، والطالب الذي يرتبط بامتحان أو التزام أكاديمي مصيري قد يفقد مستقبله، والتاجر الذي يقصد العاصمة لإنجاز صفقة أو المشاركة في اجتماع قد يخسر فرصًا مالية كبيرة، أما الموظف الذي يسافر في مهمة عمل رسمية أو خاصة، فقد يتعرض لعقوبات أو يفوته موقعه في عمله. كل هذه الحالات حقيقية وواقعية، لكنها لا تجد في الشركة أي اعتبار أو حس بالمسؤولية وبالتالي الحرص على عدم تكرارها وتقديم الخدمة التي تأخذ بعين الاعتبار كل ذلك.
والأدهى والأمرّ، وفوق ذلك كله، تأتي الأسعار الباهظة التي تُثقل كاهل المواطن أكثر مما تساعده، فتذكرة باتجاه واحد من صلالة إلى مسقط على درجة رجال الأعمال تصل إلى 180 ريالًا عُمانيًا ببساطة في ظل الحسبة التي اعتمدها مسؤولو الشركة، بينما الأسعار على الدرجة السياحية، والتي حددتها الدولة لتكون مناسبة للمسافرين، تدخلت الشركة لتحديدها على نحو مقصود؛ فهي تخصص عددًا محدودًا من المقاعد على كل رحلة بأسعار مُخفَّضة، بينما تُترك باقي المقاعد بأسعار مرتفعة تتجاوز أحيانًا أسعار تذاكر الرحلات الدولية، أو على الأقل تقارن بها في كثير من الحالات!!
هذا الأسلوب يحرم أغلب المسافرين من الاستفادة من الأسعار الرسمية، ويخلق شعورًا بالتمييز بين من سبق له الحجز ومن لم يحجز، وكأن المبدأ الاقتصادي والقانوني للمنافسة العادلة لا وجود له في هذا الخط، وقد استُبدل بمبدأ "من سبق لبق".
الاحتكار هنا- في رأينا- ليس قضية تجارية، إنه مسألة وطنية وأخلاقية، على ما كُنَّا ولا زلنا إلى حدٍ ما نظن ونعتقد؛ فالخط الجوي بين مسقط وصلالة شريان حيوي يربط بين أجزاء الوطن، ويخدم آلاف المواطنين والمقيمين والسياح، واستغلال احتكاره لرفع الأسعار، وتقييد المقاعد بأسلوب مُتعمَّد، والإهمال في الإدارة والالتزام بحقوق الركاب، كل ذلك يضع المواطن في موقف ضعيف أمام مؤسسة يُفترض أن تكون من أحرص الجهات على تقديم خدمة وطنية عادلة.
المطلوب اليوم، ونتيجة لكل هذه المعاملات والأسعار المُغالى فيها والتي لا علاقة لها بالخدمة الوطنية، هو كسر هذا الاحتكار، وإرساء مفهوم جديد للخدمة الوطنية يقوم على احترام المواطن، وضمان حقه في المواصلات العادلة والآمنة، وربط الوطن ببعضه بروح المسؤولية لا بمنطق الربح الأعمى والاستهتار اللامسؤول.
في ظل هذا الاحتكار، تتجلّى ملامح الاستغلال بشكل صارخ؛ إذ إنه إضافة إلى ما ذكرناه، تُظهر البيانات المتاحة أن أسعار التذاكر على خط مسقط-صلالة تتفاوت بشكل كبير؛ مما يزيد من معاناة المسافرين. على سبيل المثال، تتراوح أسعار التذاكر على الدرجة السياحية بين 32 ريالًا عُمانيًا و74 ريالًا عُمانيًا للمسار الواحد، بينما تتراوح أسعار تذاكر درجة رجال الأعمال كما هو محدد على لائحة الأسعار من الشركة بين 74 ريالًا عُمانيًا و180 ريالًا عُمانيًا، وهناك من أفاد بأنها وصلت إلى أكثر من 200 ريال عُماني للمسار الواحد أيضًا. هذه الفجوة الكبيرة في الأسعار تُظهر بوضوح غياب العدالة في التسعير، وتُعزِّز من فكرة أن الشركة تستغل احتكارها لهذا الخط لفرض أسعار غير منطقية على الركاب.
ومع ذلك، لا تقتصر المشكلة على الأسعار فقط؛ فالشركة تُظهر تجاهلًا تامًا لحقوق المسافرين؛ حيث تُلغى الرحلات دون إشعار مسبق، وتُحوَّل الركاب إلى رحلات أخرى دون مراعاة لظروفهم أو مواعيدهم، ناهيك عن تأخير مواعيد الإقلاع لساعات طويلة تصل أحيانًا إلى أكثر من 10 ساعات، يُفاجأ بها المسافر حين وصوله إلى أرض المطار، وعليه أن يبحث عن أي مساحة يفترشها على أرضيته دون توفير أي بدائل تراعي مسؤوليتها أولًا واحترامها لعملائها ثانيًا. وهذا السلوك يُظهر بوضوح غياب المسؤولية والاحترافية، ويُفاقم من مشاعر الإحباط والاستياء بين المواطنين.
إن ما يحدث على خط مسقط-صلالة ليس خللًا إداريًا؛ بل هو استغلال غير مسؤول للمواطنين تحت شعار "الناقل الوطني". والمطلوب اليوم هو تدخل الجهات المعنية لوضع حد لهذا الاحتكار، وضمان تقديم خدمة عادلة ومنصفة للمواطنين، تُراعي حقوقهم وظروفهم، وتُعيد الثقة في مؤسساتنا الوطنية.
ولمواجهة هذه التحديات، نقترح اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي من شأنها تحسين الوضع الحالي؛ حيث يجب السماح لشركات طيران أخرى بتسيير رحلات بين مسقط وصلالة؛ مما يُعزز من المنافسة ويُساهم في خفض الأسعار وتحسين جودة الخدمة، كما نطالب الجهات المعنية- التي لا نشك في قيامها بأدوارها- بأن تعزز الرقابة على شركات الطيران؛ لضمان التزامها بالقوانين واللوائح، وتقديم خدمة عادلة ومنصفة للمواطنين، وعلى الشركة أن تُحسِّن طرق التواصل مع المسافرين، وتوفير معلومات دقيقة ومحدثة عن الرحلات، وتسهيل إجراءات الحجز والاسترجاع، ويجب إعادة النظر في سياسة التسعير، وتحديد أسعار عادلة تُراعي قدرة المواطن، وتُعزز من تنافسية السوق.
إنَّ تنفيذ هذه الإجراءات من شأنه تحسين الوضع الحالي، وضمان تقديم خدمة طيران داخلية تُلبي احتياجات المواطنين، وتُساهم في ربط أجزاء الوطن ببعضها البعض بروح من التعاون والمسؤولية.