الشجرة المُثمرة تُرمى بحجر!

د. غالية بنت عيسى الزبيدية **

 

تتردّد في الذاكرة العربية الحكمة المأثورة: «الشجرة المثمرة تُرمى بحجر». وهي عبارة تنطوي على دلالة معرفية واجتماعية عميقة، إذ تشير إلى أنّ العمل المنتج يثير حوله الجدل، بينما لا يجد الفراغ من يلتفت إليه.

في هذا السياق، يبرز اسم الدكتورة إسمهان سعيد الجرو، البروفيسورة في التاريخ، التي كرّست سنوات من حياتها للبحث في النقوش القديمة، مستندةً إلى منهج علمي صارم يجمع بين التحليل اللغوي والمقاربة التاريخية. ودراساتها لم تكن مجرّد تكرار لما سُطِّر من قبل؛ بل محاولة جادة لإعادة قراءة النصوص الحجرية في ضوء مُعطيات جديدة، ما يجعلها تسهم في إغناء حقل الدراسات التاريخية والنقوشية، وهو حقل ما زال بحاجة إلى جهود مخلصة ومستمرة.

غير أنّ هذا العمل الرصين لم يسلم من النقد اللاذع والهجوم المباشر؛ إذ تجاوز بعض المتخصّصين حدود النقاش الأكاديمي، لينزلقوا نحو خطاب شخصي أقرب إلى التجريح. وهنا ينبغي التذكير بأنّ النقد العلمي مطلب أساسي لتطوير المعرفة، لكنه لا يكون علميًا إلا إذا استند إلى معايير الموضوعية والبرهنة والدليل ما يفتقر إلى هذه الأدوات، فإنّه يُصبح أقرب إلى مصادرة الرأي منه إلى إثراء النقاش.

لقد عرفنا الدكتورة إسمهان الجرو بجدّيتها ومثابرتها، وحرصها على أن تكون أبحاثها إضافة نوعية في مجالها. وهذا المسار البحثي الطويل يؤكّد أنّها لم تنل مكانتها مصادفة، بل ثمرة سنوات من الجهد والقراءة والتحليل. ولا شكّ أنّ تاريخ العلم نفسه يبيّن أنّ كل محاولة جديدة في التأويل أو إعادة القراءة غالبًا ما تُواجَه بالرفض أولًا، قبل أن تُدرَك قيمتها لاحقًا.

إنّ المُنصفين يدركون أنّ الهجوم على الجهود الصادقة لا ينقص من قيمتها، بل يزيدها حضورًا، وأنّ الاختلاف في الرأي يجب أن يظل في إطار المنهجية العلمية لا في دوائر الخصومة. وإذا كان الحجر يُلقى على الشجرة المُثمرة، فإنّ الثمرة نفسها تبقى قائمة، وناضجة، ومتاحة لمن يريد أن يقطفها.

التاريخ لا ينحاز إلا للجهد الصادق، ولا يحفظ إلا ما يستحق البقاء. وحين تُرمى الشجرة المثمرة بالحجارة، فإنّ ذلك لا يجرّدها من ثمارها، بل يكشف عمق جذورها وصلابة ساقها. فالحجر العابر زائل، أمّا الثمرة فباقية تُغذّي الأجيال. وهكذا يبقى الباحث الحقيقي، مثل الدكتورة إسمهان الجرو، شاهدًا على أنّ العلم لا يُقاس بما يُقال عنه، بل بما يتركه من أثرٍ في العقول، وما يفتحه من نوافذ في الوعي. إنّها رسالة تُذكّرنا بأنّ المعرفة ليست امتلاكًا؛ بل عبورٌ متجدد نحو المعنى، وأنّ الشجرة المثمرة، مهما تكاثرت حولها الحجارة، ستظلّ تورق وتثمر، لأنها تحمل في جوهرها سرّ الحياة.

** كاتبة وباحثة في اللسانيات الحديثة وتحليل الخطاب

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة