التقاعد.. محطة تستحق الاستعداد والإنصاف

 

 

د. عبدالعزيز بن محمد الصوافي

التقاعد محطةٌ حتميةٌ في مسيرة كل إنسان عامل، أيًّا كان موقعه أو مجاله، رجلًا كان أم امرأة، موظفًا صغيرًا أو مسؤولًا كبيرًا. إنها المرحلة التي يُغادر فيها الموظف سجلات الخدمة المدنية لينتقل اسمه إلى سجلات صناديق التقاعد والحماية الاجتماعية، ليبدأ فصلًا جديدًا من حياته بعيدًا عن ضغوط العمل اليومي.

هذا التحوُّل لا ينبغي أن يكون مفاجئًا أو مثقلًا بالهموم؛ بل يتطلب استعدادًا مبكرًا من الفرد، إلى جانب إدارة رشيدة من المؤسسات المعنية. فالموظف طوال سنوات خدمته يُقتطع جزءٌ من دخله، وتُسهم معه جهته في بناء رصيد يفترض أن يؤمن له ولأسرته حياة كريمة بعد انتهاء الخدمة. ومن هنا تبرز المسؤولية الكبرى على عاتق الجهات التشريعية والإدارية لضمان حسن استثمار هذه الأموال وصرفها بالشكل الذي يكفل للمتقاعد معاشًا مجزيًا ومكافأة عادلة.

إنَّ توفير دخل تقاعدي كريم ليس مجرد حق مكتسب للموظف؛ بل هو صمام أمان يحول دون اضطراره للبحث عن عمل جديد في سنٍ متقدمة أو منافسة الباحثين عن فرص عمل أولى، كما يجنب المجتمع مشاهد الحاجة والعوز التي لا تليق بمن أفنى سنوات عمره في خدمة وطنه ومؤسساته.

والإنسان الذي أفنى سنوات عمره في خدمة وطنه ومؤسساته، يستحق أن يعيش هذه المرحلة بطمأنينة، بعيدًا عن هواجس الحاجة أو البحث عن عمل جديد في وقتٍ لم يعد فيه قادرًا على المنافسة أو العطاء. هنا يبرز الدور الجوهري للمشرّع ولإدارات صناديق التقاعد في ضمان استثمار مدخرات الموظف ومدفوعات جهته الوظيفية بما يكفل له معاشًا كريمًا ومكافأة تليق بتضحياته.

إنَّ منح المتقاعِد دخلًا يكفيه وأسرته ليس ترفًا؛ بل حق أصيل يقيه من ذل السؤال، ويحفظ للمجتمع توازنه، ويمنح الأجيال المقبلة الثقة بأنَّ عطاءها لن يُنسى. فالتقاعد ليس ختامًا للعمل فحسب؛ وإنما هو أيضًا اختبار حقيقي لمدى وفاء المؤسسات لموظفيها.

** باحث أكاديمي

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة