السلطان هيثم.. استمرار الدولة وعظمة المسار

 

محمد بن علي بن ضعين البادي

في كل عهد من عهود الأمم تولد لحظة فارقة تعيد تشكيل الوعي الوطني، وتفتح للبلاد أبوابًا جديدة نحو المجد. وفي عُمان، لم تكن تلك اللحظة حدثًا عابرًا ولا صفحة تُقلب؛ بل كانت ميلادًا متجددًا لروح عريقة تضرب جذورها في عمق التاريخ.

هنا وطنٌ صاغ اسمه بالإرادة، وشق طريقه بالحكمة، ووقف شامخًا أمام العالم بثبات قيادته ونبل شعبه. وحين نتأمل المنجزات التي ارتقت بها عُمان في حاضرها، ندرك أن ما نعيشه اليوم ليس صدفة؛ بل هو امتداد لمسيرة حكم راسخة حمل رايتها قادة صنعوا تاريخًا وفتحوا آفاقًا، حتى غدت البلاد نموذجًا يجمع بين أصالة الماضي وقوة التحول نحو المستقبل. وفي ظل قيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق، تتجدد هذه الروح بثقة أكبر ونَفَس أعمق، ليبقى الوطن في صعود لا يعرف التراجع، ومسار لا يعرف إلا الرفعة والسمو.

لم تكن فكرة إكمال المسيرة العظيمة لسلاطين عُمان مجرد قرار عابر؛ بل كانت نداءً عميقًا يتردد صداه في وجدان جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، الذي نشأ على دراية راسخة بتاريخ الوطن وأمجاده. وتعمق هذا الوجدان بقرار استشرافي من المغفور له بإذن الله جلالة السلطان قابوس بن سعيد، عندما أسند إليه وزارة التراث والثقافة؛ ولم يكن ذلك التكليف منصبًا عاديًا؛ بل كان تلقينًا مباشرًا لجوهر الحضارة العُمانية. وكأنما أراد له أن يضع تاريخ الوطن في عقله وقلبه، وأن يتشرب حضارته قبل أن يتولى قيادته.

لقد استلهم جلالته إرث السلاطين العظام في بناء دولة ضاربة الجذور، رؤية تتجاوز الحاضر إلى المستقبل. لم تكن المسألة خلافة حكم؛ بل تجسيدًا لإحساس عميق بالمسؤولية الوطنية؛ مسؤولية صون المنجزات، وتحديث الدولة، ومواصلة نهج الحكمة والاعتدال الذي ميّز عُمان عبر العصور.

وفي قلب التاريخ العُماني، تقف الدولة البوسعيدية شامخة، لا بوصفها سلالة حكم وحسب؛ بل رمز للثبات والاستمرارية منذ قيامها على يد الإمام المؤسس أحمد بن سعيد البوسعيدي. لقد كانت ولا تزال ضمانة لاستقرار الوطن وسيادته؛ إذ واجهت التحديات وظلت مرساة الأمان التي حفظت كيان الأمة. ويكمن سر هذا الثبات في نهج يجمع بين الأصالة والتطور؛ فمع كل جيل من السلاطين، تتقدم عُمان خطوة نحو الأمام، وصولًا إلى النهضة المباركة التي أرسى دعائمها السلطان قابوس، وامتدادًا للعهد الجديد بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق، الذي يؤكد المضي بعزم نحو التنمية الشاملة والاندماج الفاعل في العالم، لتبقى عُمان مثالًا في التوفيق بين عراقة الماضي وإشراقة المستقبل.

وتتجلى في شخصية جلالة السلطان هيثم سمات القائد الذي يدرك أهمية الثبات على المبادئ، وفي الوقت نفسه ضرورة التجديد لمواجهة تحديات العصر؛ فمنذ توليه مقاليد الحكم، أكد التزامه بالأسس الراسخة للدولة البوسعيدية، من حكمة سياسية واعتدال في العلاقات الدولية، وحرص على رفاهية المواطن. لكنه بحنكة القائد أدرك أن الحفاظ على المسيرة لا يكون بالتشبث بالماضي وحده؛ بل بضخ روح جديدة عبر برامج إصلاحية وهيكلية شاملة، تضع عُمان على مسار تحديث اقتصادي وتنموي يتناسب مع متطلبات الحاضر والمستقبل.

وإذا كانت القيادة الحكيمة هي بوصلة الوطن، فإن الشعب العُماني هو الركيزة الثابتة الضامنة لاستمرار مسيرته الظافرة. ففي التاريخ العريق، كان التفاف العُمانيين حول أئمتهم وسلاطينهم سر الصمود أمام التحديات. واليوم، يواصل هذا الشعب الوفي دوره كشريك أصيل في نهضته المتجددة، يقف خلف قيادته بإخلاص ووعي، مؤكدًا أن قوة الوطن مستمدة من وحدة أبنائه، وأن القائد القوي يستمد عظمته من شعبه.

وفي الختام.. فإنَّ اليوم الوطني ليس مجرد محطة نستعرض فيها منجزات الماضي؛ بل هو لحظة تجديد للعهد بين القيادة والشعب. لقد أثبتت الدولة البوسعيدية عبر القرون قدرتها على الجمع بين عراقة التاريخ ومتطلبات العصر. ومع تسلم جلالة السلطان هيثم بن طارق الراية، استمرت المسيرة بروح مشبعة بالإرث وفكر منفتح على التطوير، إيمانًا بأن عُمان لا يليق بها إلا العلو. ويظل الشعب العُماني، بعزيمته وولائه، القوة الدافعة نحو مستقبل مشرق.

إنَّ عُمان، وهي تحتفل بذكراها، تؤكد للعالم أن هنا تُصنع الحضارة، وهنا يُكتب العهد، وأن الغد أجمل بإذن الله.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z