د. أحمد بن علي العمري
عُمان بلد التاريخ والحضارة والعراقة والأصالة والقيم والمبادئ والنبض الاجتماعي الموحد، المترابط والمتآلف والمنسجم عبر التاريخ والعصور والدهور مع حكوماتها.. عُمان الحلة والبرزة والسبلة.
ولقد كان للشيوخ وأهل الحل والعقد عبر الزمن في تاريخ عُمان الشأن المهم والدور الكبير بوقوفهم مع وطنهم وخلف حكامهم، وبقيت عُمان صامدة، مجابِهة ومواجِهة لجميع التوجهات والمتغيرات المضادة طوال كل هذه السنين والأعوام المتكررة.
لقد كان للبرزة، وهو المجلس الحكومي بحضور الشيوخ والأعيان برئاسة الوالي، الدور الكبير في التعامل مع الأمور القضائية والاجتماعية وحتى الشؤون الداخلية والعامة منها، بل والجانب السياسي والعسكري والاستراتيجي.
وكان يسبق البرزة جلوس الشيوخ مع أبناء قبائلهم وعامة الناس في السبلة؛ للاتفاق حول ما سوف يُعرض في البرزة.
وهكذا كانت الأمور تتم بسهولة ويسر وتوافق وانسجام وتنسيق وتآخٍ ومحبة وتعاون، فقد كانت البرزة موقعًا لحل جميع المشاكل الاجتماعية والشؤون الداخلية.
حتى وصلت، بحمد الله وتوفيقه، إلى النهضة المباركة من عام 1970م التي أطلقها السلطان الراحل قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - وأكدت عليها ومضت في مسارها النهضة المتجددة في عام 2020م التي قادها بكل حكمة واقتدار مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه.
حيث تم التأكيد على الشيوخ ودورهم الفعال في المجتمع، وقد التقى جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بالشيوخ في المحافظات؛ لتأكيد هذا التوجه وتفعيل هذا الجانب الاجتماعي المهم؛ بل وزاد على ذلك بتوحيد المحافظات وأعطاها الصلاحيات وتخصيص مبالغ سنوية تُوجَّه لتنميتها من خلالها.
ولكن مؤخرًا لاحظتُ بعض الأصوات هنا وهناك، يمينًا ويسارًا، تنتقد وجود الشيوخ ويقللون من مكانتهم ودورهم المهم، ويلوحون إلى أن هذا أصبح من الماضي، وأنه كما يدّعون لا مجال له في عصر العلم والعولمة، لأنهم حقيقة يجهلون القيمة المعنوية والاجتماعية لهذه الفئة البالغة الأهمية.
إن الشيوخ هم حبل الوصل الذي يُوصل توجهات الحكومة إلى المواطنين، وبالمقابل متطلبات وهموم ورغبات المواطنين إلى الوالي، ثم المحافظ، ومن بعده وزير الداخلية؛ حيث تصل للحكومة مباشرة، وحينها يمكن الأخذ بما هو مفيد منها وما هو قابل للتطبيق.
والقبائل والشيوخ، حتى وإن اختلفوا ووصل الأمر بهم للعداوة، تبقى بينهم المودة والنخوة والفزعة والمراعاة والواجب الاجتماعي، كما إن هناك الكثير من الأمور والأحداث التي يصعب على القانون الحديث حلها أو الفصل فيها، يمكن حلها بكل يسر في هذه المنظومة عرفيًا، والعرف دائمًا أقوى من القانون.
ومن يعتقد أن الديمقراطية هي في النظام الحزبي فهو مخطئ؛ فالمنظومة الاجتماعية يكون قرارها من نبض المجتمع ورغبته صافيًا بلا شوائب، وهذه هي قمة الديمقراطية، أما النظام الحزبي فغالبًا ما يتبنى أفكارًا دخيلة على المجتمع لا تمت له بأي صلة، إن لم تكن هدامة، بل ويحاول فرضها حتى ولو بالقوة.
وبالمقابل، على الشيوخ والقبائل أن يقوموا بشيء من التنظيم الداخلي، فمثلًا يكون لكل قبيلة شيخ لمدة عام واحد، حتى لو يتم ذلك بالانتخاب الداخلي (إن لم تتم التزكية)، ولا يمنع أن يكون لهذا الشيخ شيوخ مساعدين على رأس كل عشيرة، وهنا ممكن للدولة أن توفر مكتبًا لهذا الشيخ وموظفين، بحيث يلجأ له أبناء القبيلة لتلبية متطلباتهم، ويمكن تحقيق المنفعة التي تخدم كل المجتمع التنسيق مع عضو مجلس الشورى وأعضاء المجلس البلدي، والتنسيق المتواصل والمباشر مع الوالي.
وهكذا تكتمل المنظومة وتتناسق وتتكامل في تجسيد وطني وتلاحم اجتماعي خدمة للبلد وسلطانها وشعبها.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.