نُكرر: "الدقم.. البشر قبل الحجر"

 

 

 

حمود بن علي الطوقي

 

لا شك أنَّ مشروع الدقم يُعد من أبرز المشاريع الاستراتيجية في سلطنة عُمان، فقد استثمرت الحكومة بشكل كبير في البنية التحتية من طرق وميناء ومطار ومرافق لوجستية؛ بهدف خلق بيئة استثمارية جاذبة للشركات الأجنبية العملاقة ذات القيمة المحلية المضافة للاقتصاد الوطني. ومما يُميز الدقم موقعها الاستراتيجي على بحر العرب وانفتاحها على خطوط الملاحة الدولية، وهو ما يمنحها ميزة تنافسية فريدة بين الموانئ الإقليمية.

وقد بلغ حجم الاستثمارات في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم حتى الآن أكثر من 6 مليارات ريال عُماني، في حين تجاوز حجم الاستثمارات في القطاع السياحي وحده 850 مليون ريال عُماني. وهذه أرقام ضخمة تعكس ثقة الدولة والمستثمرين في مستقبل هذه المدينة الواعدة.

وخلال عصر النهضة المتجددة يولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- اهتمامًا كبيرًا بجهود وضع سلطنة عُمان في صفوف الدول الجاذبة للاستثمار، حيث تابعنا جلالته وهو يرافقه وفد رسمي في زيارات إلى عدد من الدول الخليجية والعربية والأوروبية، تُوِّجت بتوقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم. جل هذه الاتفاقيات ركزت على الجوانب الاستثمارية، ووجَّهت بوصلة الاهتمام نحو الدقم، لتكون ركيزة أساسية في رؤية عُمان الاقتصادية المستقبلية.

ورغم كل ما تحقق من إنجازات لافتة في البنية الأساسية والمشاريع الاقتصادية، فإنَّ التحدي الأبرز يتمثل في جانب التنمية البشرية. فما زالت الدقم بحاجة إلى كثافة سكانية تجعل منها مدينة حقيقية نابضة بالحياة؛ فالمشاريع والوظائف المتولَّدة حتى الآن لا تزال محدودة مقارنة بحجم الطموحات والاستثمارات. ومن هذا المنطلق، أرى أن الحاجة باتت مُلِحَّة لتشجيع الشركات الجديدة التي تتأسس في سلطنة عُمان أن يكون مقرها الرئيس في الدقم، مع تقديم حوافز وتسهيلات نوعية تدفعها للاستقرار هناك.

لقد سبق لي أن كتبت مقالًا بعنوان "الدقم.. البشر قبل الحجر" قبل سنوات، واليوم أجد أن الإشكالية ما زالت قائمة؛ فالمكان جاهز بطُرقه ومطاره ومينائه، لكنه ما زال يفتقر للبشر الذين يصنعون الحركة ويمنحون المشاريع معنى الحياة. وتحويل الدقم إلى مدينة اقتصادية مزدهرة لا يتوقف على البنية الأساسية وحدها؛ بل يتطلب سياسات جاذبة تستقطب الناس للإقامة والعمل فيها. كما إن المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم مدعوة لتعزيز الجاذبية السياحية للمنطقة، من خلال إطلاق برامج سياحية خاصة للعائلات العُمانية بأسعار مناسبة، والترويج لمواقعها الطبيعية الفريدة مثل "حديقة الصخور" وشواطئها الممتدة، لتكون الدقم وجهة سياحية محلية قبل أن تكون مقصدًا دوليًا. فما زال الكثير من المواطنين لم يكتشفوا الدقم بعد، وهنا تكمن الفرصة لتفعيل السياحة الداخلية وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي.

ومن بين الأفكار التي يُمكن أن تُسهم في تحريك عجلة الحياة في الدقم، أن تتم دعوة المؤسسات الحكومية والشركات الوطنية لإقامة فعالياتها ومناسباتها في الدقم، على أن تتبنى المنطقة الاقتصادية الخاصة برنامجًا متكاملًا يُقدِّم التسهيلات والدعم لكل من يشارك في تنظيم الأنشطة الاقتصادية والملتقيات في هذه المدينة الواعدة. فربما بتجربة أفكار من خارج الصندوق نتمكن من تحقيق الهدف المنشود، وهو جعل الدقم حاضرة نابضة بالحياة، وليست مجرد بنية تحتية تنتظر من يملأها.

إنَّ مستقبل الدقم يعتمد على الجمع بين قوة البنية الاقتصادية المتطورة وبين التنمية الاجتماعية والسكانية، بحيث تتحول من مشروع استراتيجي واعد إلى مدينة اقتصادية متكاملة تحقق عوائد ملموسة للاقتصاد الوطني، وتفتح آفاقًا أوسع لفرص عمل نوعية للعُمانيين.

الأكثر قراءة