تمورنا تنهكها الآفات وتئدها المنافسة غير العادلة

 

د. ذياب بن سالم العبري
النخلة في عُمان لم تكن يومًا مجرد شجرة مثمرة، بل كانت سرّ الحياة وركيزة الأمن الغذائي، ورافدًا اقتصاديًا ظل حاضرًا عبر القرون. من ثمارها عاش العُماني، ومن جذوعها بنى بيوته، ومن خوصها صنع أدواته، وبتمورها عبرت قوافله الأسواق القريبة والبعيدة. لم تكن النخلة رمزًا تراثيًا فحسب، بل عماد معيشةٍ واقتصاد.
اليوم، تواجه هذه الشجرة المباركة أخطر التحديات. آفة الدوباس تنهكها موسمًا بعد موسم، والسوسة الحمراء تفتك بجذوعها في صمت، فيما تتزايد تكاليف المزارع دون حلول وقاية ناجعة. ورغم أن الإنتاج المحلي من التمور قادر ليس فقط على تلبية احتياجات السوق الداخلية، بل يتجاوزها إلى إمكانيات التصدير بكميات تجارية منافسة، فإن السوق العُماني يُغرق بكميات من التمور الخام المستوردة تُباع بأسعار أقل من كلفة الإنتاج المحلي. هذه المنافسة غير العادلة تعني ببساطة أننا نُضعف نخيلنا الوطني ونُقصي تمورنا الأصيلة عن الأسواق.
العالم من حولنا يقدم نماذج حيّة. أستراليا فرضت قيودًا صارمة على المنتجات الزراعية حماية لمزارعيها. الاتحاد الأوروبي دعم المزارعين وأكمل دورة الإنتاج عبر التصنيع والتصدير، فصارت الزراعة رافدًا اقتصاديًا ضخمًا. المغرب جعلت التمور سلعة استراتيجية تنافس في أوروبا، والسعودية صنعت من تمورها علامة تجارية عالمية. هذه التجارب لم تُبنَ على الصدفة، بل على سياسات ذكية خفضت كلفة الإنتاج ورفعت القيمة المضافة وخلقت فرص عمل واسعة.
في عُمان، أطلقت الدولة مبادرة المليون نخلة كمشروع وطني رائد يؤكد مكانة هذه الشجرة المباركة. غير أن السؤال الجوهري هو: لماذا نكتفي بمليون نخلة إذا كانت الأرض والقدرات قادرة على أن تحتضن عشرات الملايين من النخيل؟ ولماذا لا تكون التمرة العُمانية منافسًا عالميًا يحوم في أرجاء المعمورة كما فعلت تمور دول أخرى؟ ما نملكه من أصناف أصيلة مثل خلاص الظاهرة، فرض الداخلية، النغال، الخنيزي، الجبري، والهلالي يكفي ليكون لنا موقع متقدم في السوق الدولية لو أحسنّا التخطيط والحماية والتصنيع والتسويق.
إن إنقاذ هذا القطاع يتطلب توصيات واضحة: تقنين استيراد التمور الخام لحماية المنتج الوطني، وإطلاق صناعة تحويلية متطورة لإنتاج الدبس والسكر والخلّ والمعاجين، وتسخير التقنيات الرقمية لخفض كلفة الزراعة وزيادة الإنتاجية، وتفعيل وسم "تمور عُمان" بمؤشرات جغرافية تعكس أصالتها، وإنشاء مجلس وطني للنخيل والتمور يضع السياسات ويقيس الأثر.
وأخيرًا.. النخلة ليست مجرد إرثٍ في الذاكرة، بل ثروة وطنية متجددة قادرة على إثراء الاقتصاد الوطني إذا ما أُحسن استثمارها. وإن كانت مبادرة المليون نخلة قد جسّدت البدايات، فإن الطموح يجب أن يكون أبعد: أن تصبح التمرة العُمانية سلعةً عالمية تحجز مكانها في الأسواق الكبرى، وترفرف بهويتها العُمانية في كل قارات الأرض.
 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة