غزة تُعيد توجيه البوصلة

 

 

د. سعيد الكثيري

 

من تحت الركام والأنقاض وغائر الجراح، تُعيد غزة توجيه بوصلة الصراع إلى وجهتها الحقيقية، بعد أن حاول الغرب وربيبته إسرائيل حرف البوصلة باتجاه أعداء وهميين، ووصف أنفسهم بالحلفاء الأوفياء ضد هؤلاء الأعداء، إلا أنه وبعد عدوان الاحتلال على قطر، بالتنسيق ودعم أمريكي، الحليف الاستراتيجي لقطر كما يدّعي، وصاحب أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط (العُديد في قطر).

تأكد الجميع بأن الغدر من صميم هؤلاء، وأنهم العدو الحقيقي للأمة، ولا عهد لهم ولا ميثاق، ولذلك يتوجب التعامل معهم بوعي وندية وفقًا لمصالح الأمة، وأن مفهوم الصديق الوفي معهم وهمٌ يجب أن يزول من العقول، وأن يدرك الجميع بأن القوة لمواجهة العدو تكمن في الإرادة والاعتماد على الذات، والشعوب التي لها مصلحة في الدفاع عن شرفها وكرامتها ومستقبلها.

لقد حاول أعداء الأمة تشتيت المسار، وفتح ملفات جانبية ومعارك وهمية بعيدًا عن القضية المركزية، وإظهار العدو صديقًا... والعكس... وإضعاف الهوية وتبديدها، وخلق صراعات داخلية بينية عربية وإسلامية، وزرع الشك وعدم الثقة، لينفرد بكل طرف ويشغل الأمة. إلا أن غزة، بصمودها وتضحياتها الجسام، تعكس إرادة الأمة واتجاهاتها، وتعيد تثبيت بوصلة الصراع نحو فلسطين كقضية مركزية... وتؤكد بأنه لا يمكن أن تنهض الأمة إلا بعودتها إلى قضيتها الأساس... وتحقيق وحدتها... فهو تحرير للوعي وتثبيت للمبدأ، وتأكيد على أن أمن واستقرار المنطقة مرتبط بالاعتراف بالحق الفلسطيني، والعمل على تحرير الأرض والكرامة.

إن الهجوم على الدوحة يؤكد الحقيقة بأن أمريكا ليست صديقًا وفيًّا، ولا حليفًا استراتيجيًّا يمكن الاعتماد عليه، ولا وسيطًا محايدًا، مما يتوجب على الدول العربية إعادة تقييم علاقاتها معها وفقًا لأمنها ومصالحها، واعتماد خيارات مستقلة تحفظ لها كرامتها وأمنها ومصالحها وعزتها.

اتركوا وَهْمَ الحليف والحامي الأمريكي... فقد قال الرئيس الباكستاني السابق محمد ضياء الحق: "من يتعامل مع أمريكا كالذي يتعامل مع الفحم، لا يجني إلا سواد الوجه واليدين...!!".

إن هذا السواد والعار يتمثل اليوم بأن تتفرج الأمة على حرق وإبادة غزة.

لكن تبقى غزة شموخًا وعِزةً.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة