ماذا لو دعمنا المقاومة؟

 

عباس المسكري

دعونا نغلق الأعين للحظة، لا عن الحقيقة بل عن واقعٍ أراد لنا أن نرضى به، ونتجرأ على الحلم، ذلك الذي يحرمه علينا علماء السلاطين بفتاوى صامتة ، وفي هذا الحلم نتصور أمةً تقف على قدميها، تتجاوز الخوف والصمت، فتصنع من إرادتها نورًا يضيء دروبها، ومن تخيّلها قوةً تحرر الأرض وتعيد للكرامة عنوانها ، فالحلم هنا ليس رفاهية، بل إعلان وجود، ومقاومة صامتة تتحدى كل قيود.

دعونا نتخيّل، إن كان التخيل لا يُعدّ من الكبائر في فقه علماء السلاطين، فدعونا نُغمض أعيننا لحظة، لا عن الحقيقة، بل عن واقعٍ أُريد لنا أن نرتضيه، ونتساءل جهارًا في وجه التاريخ:

ماذا لو أن كل دولة عربية وإسلامية، من المحيط إلى الخليج، قررت أن تكون ظهرًا لا خنجرًا؟ وماذا لو صُبّ المال الذي يُهدر في مواسم الترف في عروق المقاومة؟ وماذا لو وُجّه السلاح الذي يُكدّس لحروب الأشقاء نحو صدور الغزاة؟ وماذا لو نطق الإعلام العربي بإسم الحق، لا بإسم من يدفع؟ وماذا لو تحوّلت الجيوش التي تُدرّب على قمع الشعوب لتتدرّب على تحرير الأرض؟

هل كانت إسرائيل لتبلغ هذا الحد من الغطرسة؟ وهل كانت لتتجرأ على التاريخ، والجغرافيا، والدم؟ أم كانت لتقف على أطرافها، ترتجف من يقظة أمةٍ قررت أن تكون؟ لكننا ما زلنا في مقام التخيل ،،، فليفتِنا علماء السلاطين: هل يجوز أن نحلم؟ أم أن الحلم فتنة، والمقاومة رجس، والكرامة بدعة؟

وليفتِنا علماء السلاطين، إن كان في فقههم متّسعٌ لما تبقّى من الحلم ،، هل يجوز أن نرفع الصوت حين يُذبح الحق؟ هل يُعدّ التنديد جهادًا، إن لم يجاوز الحناجر؟ وهل يُحتسب التعاطف موقفًا، إن لم يُترجم إلى فعل؟ لقد أُشبعنا فتاوى في الشجب والإستنكار، حتى باتت الكلمات تُقال لتُنسى، وتُكتب لتُمحى، وتُردّد لتُخدّر ، فهل من باب الورع أن نُدين بصوتٍ خافت، ونحتجّ بعباراتٍ لا توقظ ضميرًا؟ أم أن الصمت صار من الحكمة، والخذلان من الفقه، والإنتظار من الإيمان؟ إننا لا نطلب فتوى في الحلم، بل نطلب إذنًا في أن نكون.

وها نحن، يا من نكتب بالحبر وإحساس الروح، نصل إلى خاتمة لا تُختم، بل تُفتح على سؤالٍ لا ينام ،، هل كُتب علينا أن نُراقب من بعيد، وأن نُدين بقلوبنا، وأن نُحسن الظن بالخذلان؟ وهل صارت المقاومة مرآتنا التي نخجل أن ننظر فيها، لأنها تفضح عجزنا، وتُعرّي صمتنا، وتُذكّرنا بأننا كنّا شيئًا يُحسب له ألف حساب؟ إن الأمة التي لا تغضب لدمها، لا تُرجى منها صحوة، وإن الصحوة التي لا تُترجم إلى فعل، تبقى نشيدًا يُردد في المآتم.

نحن لا نطلب من التاريخ أن يُعيد نفسه، بل نطلب من أنفسنا أن نعيد ما تبقّى من كرامتنا إليه، أن نكفّ عن التذرّع بالحكمة حين يُذبح الحق، وعن التلويح بالعقل حين يُغتصب الوطن، أن نكفّ عن انتظار الضوء من نوافذ مغلقة، وعن إستجداء النصر من موائد لا تُفرش إلا للعدو ، فالمقاومة ليست خيارًا، بل قدرٌ لمن أراد أن يكون، وهي لا تسأل عن عدد من يقف معها، بل عن صدقه، ولا تراهن على من يُجيد الخطابة، بل على من يُجيد الوقوف حين ينهار كل شيء.

لتظل هذه الكلمات حية في الأذهان، لا يطفئها التواطؤ، ولا يبردها النسيان ، ولتكن المقاومة، كما كانت دومًا، صوتًا يعلو فوق كل ضجيج، ورايةً لا تنكس، حتى في العتمة ، فمن يقاتل لأجل الحق لا يُهزم، وإن سقط، ومن يكتب لأجل الكرامة لا يُنسى، وإن صمتت المنابر، لأن الصدق والإرادة أعظم من كل صمتٍ وغيابٍ، وأقوى من كل عجزٍ وانكسار.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة