انقطاع الكهرباء و"نظرية المؤامرة"!

 

مدرين المكتومية

 

لم تكن "العمة شيخة" تضع في حُسبانها أنَّ التيار الكهربائي سينقطع فجأة ودون سابق إنذار؛ بل وفي عتمة الليل البهيم، والأسوأ أن يستمر حتى ساعات الصباح الأولى، وما زاد من مُعاناة "العمة شيخة" أنَّها تستخدم جهاز تنفس صناعي يُساعدها على تنظيم حركة التنفس، ويمنح أسرتها أملًا جديدًا في أن تظل حيَّة تُرزق بأمر الله قبل كل شيء.

هذه اللمحة السريعة والواقعية عن مشهد حدث وتكرَّر في الساعات الخمسة العصيبة يوم الأحد الماضي، دِلالة على ما تمثله الكهرباء من عنصر حيوي فاعل في حياة كل إنسان؛ إذ لم تعد الكهرباء كما يظن البعض تهدف في المقام الأول إلى إضاءة عالمنا أو إبقاء ثلاجاتنا وأجهزة تكييفنا تعمل دون توقف، وإنما الأمر يتعدى ذلك بكثير، إنها- أي الكهرباء- أصبحت أحد أهم أسباب الحياة، فالعمليات الطبية لا تُجرى إلّا في وجود الكهرباء، وأجهزة الإنعاش الطبي والتنفس الصناعي وغسيل الكلى وغيرها، لا تعمل سوى بطاقة التيار الكهربائي، ولذلك لا يجب أن ننظر إلى انقطاع الكهرباء على أنه مجرد انقطاع خدمة يدفع المشترك مالًا مُقابلها؛ بل هي شريان حياة وعصب رئيس في عصرنا اليوم.

أقول ذلك، وقد تابعت مُجريات الأزمة الأخيرة التي وقعت، عندما انقطع التيار الكهربائي فجأة عن عددٍ من المناطق والأحياء في عدد من الولايات، وأثار دهشتي غياب وجود البدائل السريعة لإعادة التيار الكهربائي إلى المتضررين في أسرع وقت؛ بل استغرق الأمر عدة ساعات لكي تعود الكهرباء بالكامل، وشاهدنا مدارس لم تستقبل طلبتها لانعدام الكهرباء، وبيوتاً تغرق في الظلام الدامس وسط أجواء ساخنة، دون أدنى قدرة على توفير ولو مصدر ضئيل من الطاقة لتشغيل "مروحة"!

لم يكن هذا الانقطاع الأول من نوعه، وربما لن يكون الأخير، فقد سبق أن عانت معظم محافظات السلطنة من انقطاع طويل للكهرباء، كاد أن يتسبب في كارثة حقيقية. والمؤسف فيما يبدو أن الشركات المسؤولة عن الكهرباء لا تعلم أن هذه الطاقة تمثل قضية أمن قومي، فغياب التيار الكهربائي يُعطِّل الكثير من الخدمات، ولا شك أن من بينها الخدمات الأمنية، وخدمات المطارات، والمستشفيات والمراكز الصحية، والمدارس والمؤسسات التعليمية، فضلًا عن المقرات الحكومية ومنشآت القطاع الخاص. وعندما أقول ذلك، لا أهدف إلى الإثارة أو تضخيم الأزمة؛ بل رؤيتها بعين مجردة خالية من أي انحياز. أنظر إلى الأزمة بعين المواطنة قبل الصحفية، وإن كانت الصفة الأخيرة تمنحني "سلطة رابعة" لكي أكتب وأنقل معاناة كل مواطن.

الحقيقة أننا في أمس الحاجة لإطلاق نظام وطني للطوارئ في قطاع الكهرباء، لا يهدف فقط إلى تنسيق الجهود وبلورة تحرك مشترك بين الشركات المزودة بالخدمة، ولكن أيضًا لبناء شبكة موازية على المدى الطويل، تمثل احتياطًا وطنيًا، يسمح لنا باللجوء إليه وقت الحاجة. وعلى الشركات المتخصصة في مجال إنتاج المولدات الكهربائية وبالتعاون مع هيئة تنظيم الخدمات العامة- بصفتها الجهة التنظيمية والرقابية للقطاع- أن يُتيحا إمكانية حصول كل منزل على مولد كهربائي بأسعار معقولة، وتقديمه كعرض يتم خصم تكلفته على عدة سنوات، وإضافة القسط الشهري الرمزي على الفاتورة. كما يمكن للشركات العاملة في مجال الطاقة الشمسية، التعاون مع البنوك لتقديم منتج تمويلي لتركيب وحدة طاقة شمسية في كل منزل، لا سيما المنازل التي بها مرضى أو أطفال وعجزة، في أمس الحاجة لتيار كهربائي مُستدام دون انقطاع. والأمر كذلك لمؤسسات الدولة والمستشفيات والمدارس والجامعات.

على هيئة تنظيم الخدمات العامة كذلك أن تسن إجراءً يتضمن تعويض المشتركين عن انقطاع الخدمة، تمامًا كما تفعل هذه الشركات عندما تفرض غرامات على المخالفين، وربما يكون هذا التعويض خصماً بنسبة معينة من فاتورة الشهر المقبل مثلًا.

الهيئة مُطالَبة كذلك بوضع سيناريوهات للطوارئ وكيفية التعاطي الإعلامي معها، فلا يُعقل أن يتحدث المواطنون عبر منصات التواصل الاجتماعي عن وجود "هجمات سيبرانية" تسببت في انقطاع التيار فجأة، بينما الهيئة تنتظر يومين لكي تنفي هذه الشائعة، وكان الأولى أن يكون النفي منذ اللحظات الأولى، وليس الانتظار حتى تترسخ الشائعة في أذهان الناس وتتبلور معها "نظرية المؤامرة"، وبعدها لا يصدقون البيان الرسمي الصادر عن الهيئة.

وأخيرًا.. خدمات الكهرباء وغيرها من الخدمات الحيوية، يجب أن تحظى بالأولوية في جانب الرعاية والاهتمام من المؤسسات المعنية، التي يتعين عليها التفكير خارج الصندوق وإطلاق حلول ومبادرات غير تقليدية، تضمن رضا المواطن عن الخدمة، بالتوازي مع توفيرها بصورة مُستدامة دون انقطاع.

الأكثر قراءة