هل سيزيح اليوان الصيني الدولار عن عرشه؟

 

 

علي الرئيسي **

 

حظي الدور الدولي للرنمينبي (اليوان) الصيني باهتمام متزايد مؤخرًا، إذ تسعى السلطات الصينية إلى زيادة استخدامه دوليًا، ومن المحتمل أن تزيد العقوبات الغربية على روسيا من جاذبية الرنمينبي. بل إن بعض عناوين الصحف تُلمّح إلى أن الرنمينبي على وشك منافسة الدولار الأمريكي كعملة دولية مُهيمنة عالميًا.

هذا الاهتمام الكبير ليس جديدًا، وكذلك رغبة الصين في تدويل اليوان. بدأت أولى هذه المساعي في عام ٢٠٠٩، وشهدت تخفيف بعض ضوابط رأس المال. وانتهى ذلك نهايةً مؤلمة في عام ٢٠١٥، عندما أدى انهيار سوق الأسهم وانخفاض قيمة العملة إلى تدفق الأموال إلى الخارج. وتلا ذلك فرض قيود على رؤوس الأموال، مما أنهى الصعود الناشئ لليوان. هذه المرة، يحرص المسؤولون على ضمان استمرار هذا التقدم، وإحكام قبضتهم على تدفقات رأس المال.

يعتقد قادة الصين أن اعتماد اليوان عالميًا كعملة يُمكن أن يحمي مُصدّريهم من تقلبات قيمة الدولار، ويُخفف من وطأة العقوبات المالية الأمريكية. ويأمل بعض المسؤولين أن تتجاهل الشركات والمستثمرون الأجانب الرقابة الصارمة للدولة، بل وربما يعتبرونه أمرا حميدا. وقد حققوا في السنوات الأخيرة مكاسب مذهلة. فقد ازدادت حصة اليوان من حصص المدفوعات والإقراض الخارجي، وشهدنا نموًا ملحوظًا في البنية التحتية المالية غير الدولارية. لكن يبدو أن المسؤولين يُدركون أن المستثمرين بحاجة الآن إلى حوافز أكبر لاستخدام اليوان والاستثمار في أصوله.

إذن، ما الذي حققته الصين حتى الآن؟ بكل المقاييس، يفتقر اليوان إلى الجاذبية حتى الآن حسب مجلة "الإيكونيميست البريطانية" وهو أمر صحيح إلى حد ما. فرغم أن الصين مسؤولة عما يقرب من خُمس النشاط الاقتصادي العالمي، إلا أن اليوان يستخدم في 4% فقط من المدفوعات الدولية من حيث القيمة (مقارنةً بـ 50% للدولار). ولا تُشكل أصول اليوان سوى 2% من احتياطيات العملات الأجنبية للبنوك المركزية العالمية (مقارنةً بـ 58% لأصول الدولار). ويُعزى جزء كبير من هذا التفاوت إلى ضوابط الصين على تدفق الأموال داخل البلاد وخارجها. ويعتقد العديد من الاقتصاديين أن تدويل اليوان أمرٌ مستحيل طالما بقيت هذه الضوابط قائمة.

 

حتى بعد أن أصبحت أمريكا أكبر اقتصاد في العالم، استغرق الدولار عقودًا ليُهيمن. وخلال هذه الفترة، تُحرز الصين تقدمًا سريعًا ومفاجئًا. فقد تضاعفت حصتها المتواضعة من المدفوعات الدولية منذ عام ٢٠٢٢. ويعود ذلك في الغالب إلى التغييرات في الداخل. وكانت زيادة حصة اليوان في تجارة الصين خطوة مهمة. إذ تُجري الصين الآن أكثر من ٣٠٪ من تجارة السلع والخدمات بعملتها المحلية (مقارنةً بـ ١٤٪ في عام ٢٠١٩). وتُسدد الصين أكثر من ٥٠٪ من إجمالي إيراداتها عبر الحدود (بما في ذلك التدفقات المالية) باليوان، بزيادة عن أقل من ١٪ في عام ٢٠١٠.

تتبع الحكومة الصينية الاستراتيجية نفسها بالنسبة لميزانيتها. فمنذ أن بدأت الصين مساعيها الدولية، قدمت 4.5 تريليون يوان (630 مليار دولار) كخطوط مبادلة لـ 32 بنكًا مركزيًا، مما أدى إلى إنشاء شبكة أمان مالي عالمية تنافس شبكة صندوق النقد الدولي. ولم يُسحب سوى جزء ضئيل من هذه الخطوط. والهدف هو ضمان حصول الدول على اليوان في أوقات الأزمات، ومنحها الثقة للاقتراض والشراء بالعملة.

في الوقت الذي كان يحدث فيه كل هذا، قامت الصين أيضًا بترتيب نظامها المالي الخاص. الآن، أصبح بإمكانها إجراء معاملات مع الآخرين دون الحاجة إلى التعامل بالدولار الأمريكي عبر وسائل متنوعة. تشمل هذه الوسائل اليوان الرقمي والمدفوعات الرقمية غير المصرفية (مثل رموز الاستجابة السريعة (QR codes) على التطبيقات الشائعة في آسيا). والأهم من ذلك كله هو ابتكار نظام CIPS، الذي يُشبه نظام سويفت (SWIFT)، نظام المراسلة المصرفية الغربي. وبما أن البنوك الصينية قادرة على إجراء معاملات خارج سويفت، بل وتُجريها بالفعل.

انضم أكثر من 1700 بنك إلى نظام CIPS حول العالم، بزيادة قدرها الثلث منذ ما قبل الحرب في أوكرانيا. وارتفع حجم المعاملات بوتيرة أسرع من أي وقت مضى في عام 2024، بنسبة 43% ليصل إلى 175 تريليون يوان (24 تريليون دولار أمريكي). وتم إنشاء بنوك مقاصة لتسوية مدفوعات اليوان (والتي تديرها مؤسسات صينية تقريبًا) في 33 سوقًا. وانضم بعضها هذا العام، بما في ذلك بنوك في تركيا وموريشيوس. وبدأت الصين العمل مع الإمارات العربية المتحدة في يونيو لتوسيع شبكة CIPS لتشمل شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

تشارك الصين أيضًا في مشروع mBridge، الذي يستكشف استخدام منصة عملات رقمية متعددة للبنوك المركزية (CBDC) لإجراء مدفوعات عبر الحدود باستخدام هذه العملات. ومن بين الدول المشاركة هونغ كونغ وتايلاند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. في يونيو 2024، وصل المشروع إلى مرحلة المنتج ذي الجدوى الدنيا. ويبقى أن نرى ما إذا كان سيشهد إقبالًا كبيرًا عند بدء تشغيل المنصة، وما إذا كانت دول أخرى ستنضم إليها.

قد تكون الأشهر المقبلة حاسمة. من المتوقع أن يُعزز تراجع الثقة بالدولار وبيئة اقتصادية كلية داعمة جهود الصين. وقد منح ارتفاع سوق الأسهم الأجانب حافزًا ماليًا للاحتفاظ بأصول اليوان. وقد أدى خفض أسعار الفائدة والانكماش إلى انخفاض تكاليف الاقتراض في السوق الخارجية إلى أقل من 2%، وهو أدنى مستوى منذ عام 2013. وتتجه الشركات، بما فيها الشركات الأجنبية، إلى إصدار كمية قياسية من سندات اليوان "الديم سوم" هذا العام.

الخطوة الآمنة التالية للصين هي فتح أسواق رأس المال المحلية أمام شركائها. في يوليو، أصدرت المجر ما يقارب 5 مليارات يوان صيني فيما يُسمى "سندات الباندا"، وهو أكبر إصدار سيادي منفرد حتى الآن. في 8 سبتمبر، أفادت صحيفة فاينانشال تايمز أن شركات الطاقة الروسية حصلت على الضوء الأخضر لإصدار أوراق مالية مقومة باليوان. قد تُبدّل كينيا قريبًا ديونها الدولارية المستحقة للصين باليوان. في غضون ذلك، تدرس البرازيل إصدارًا جديدًا، بينما زار مسؤولون باكستانيون بكين لعرض دائنين محتملين.

رغم الضجة الإعلامية، يتبنى المسؤولون رؤية بعيدة المدى. ففي خطابٍ هامٍّ ألقاه في يونيو، أعلن محافظ البنك المركزي الصيني، بان غونغ شنغ، أن النظام المالي العالمي أصبح "متعدد الأقطاب"، وأن الدولار سيُجبر في المستقبل على منافسة عملات أخرى، مثل اليوان. وتأمل الصين أنها ستضطر إلى بذل جهود أقل لتقليل اعتمادها على الدولار، وأن تتمكن من مقاومة تحرير تدفقات رأس المال وسعر الصرف. وقد يصبح اليوان عملة عالمية ذات خصائص صينية.

على المسؤولين الماليين والمصرفيين في السلطنة، المبادرة والعمل على الاستفادة من التطورات الحالية الخاصة باستخدام العملات الرقمية، والتطورات الخاصة باستخدام اليوان أو العملات الأخرى في نظام المدفوعات. وبإمكان دول الخليج مجتمعة الرد بقوة على الغطرسة الأمريكية ودعمها غير المشروط للصهيونية العالمية، باستبدال الدولار في تسعير النفط والتقليل من استخدام الدولار كعملة مدفوعات واحتياط.

** باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية

الأكثر قراءة