الكيان المتغطرس والحرب المفتوحة وقمة الدوحة


 

د. محمد بن خلفان العاصمي

 

لم يتورع الكيان الإسرائيلي الخبيث عن أي فعل دنيء ولم يتوقف إجرامه عند حدود مُعينة، والواضح أنه لا يكترث لأحد ولا يهتم بأية قوانين ومعاهدات ومنظمات، ولم يعد لديه أي حرج دبلوماسي لتمرير مخططاته، فقد أعلن بكل وقاحة عن أهدافه المعروفة تاريخيًا، وخرج المجرم نتنياهو ليُعلن عن مشروع "إسرائيل الكبرى" دون تردد، بعد أن كان هذا المشروع حبيس السرية والتخطيط غير المُعلن، ولم يعد يخشى هذا الكيان أي شيء ولا يحسب حسابًا لردود الفعل التي قد تنتج عن تصرفاته الهمجية وأفعاله الهوجاء، ولسان حاله يقول "الزمان زماني والمكان مكاني"!

ومنذ بداية طوفان الأقصى، قصف هذا الكيان مجموعة من الدول في الشرق الأوسط، فمن سوريا إلى لبنان إلى واليمن وقطر، ودخل في حرب جوية مباشرة مع إيران، هذه التصرفات غير مسبوقة ولم يحدث أن تصرف هذا الكيان بهذه الصورة اللامبالية بالعواقب، وهذا له دلالات كثيرة ويطرح تساؤلات عن السبب وراء كل هذه الجراءة وعدم الاعتبار الذي يُبديه رئيس وزراء هذا الكيان المحتل والتصرفات الرعناء والاستمرار في توسيع دائرة الحرب وإكمال مخطط القضاء على قطاع غزة، كل هذه التصرفات تؤكد أن طريق السلام بات مغلقًا ولم يعد أحد الخيارات المتاحة لحل القضية العربية الإسرائيلية.

لقد هاجم الكيان المحتل إيران في الوقت الذي كانت تجري فيه مفاوضات بين الطرفين في مسقط، وكان يخترق في كل مرة اتفاقات وقف إطلاق النار في غزة، ويغير على لبنان بحجة القضاء على عناصر حزب الله، ويقصف سوريا بذريعة حماية حدوده وتأمينها. لم يعد هذا الكيان ينظر للسلام كخيار سياسي يمكن أن يحل الأزمة التي أحدثها وجوده السرطاني الخبيث في قلب المنطقة، لقد كبر الورم ولم يعد التعامل معه سهلًا، كما صرح النتن أنه لن يتورع عن الاعتداء على سيادة أي دولة إذا كان الهدف هو القضاء على عناصر حماس ومن يتعاون معهم، على حد زعمه.

أن تمارس هذه الدويلة اللقيطة كل هذه العنجهية فهذا أمر غير مستغرب، أما أن يصل بها الحال لقصف إحدى دول الخليج العربي؛ فهذه سابقة خطيرة، فمن أين بات يملك هذا الكيان كل هذه الجرأة، مع علمه بالثقل السياسي الذي تملكه دول الخليج في منطقة الشرق الأوسط، والتأثير العالمي لها، والأحلاف التي تربطها بدول العالم وخاصة العظمى منها، كل هذا يشير إلى أن إسرائيل لم تتصرف من تلقاء نفسها كما في كل مرة، وباتت الأمور مكشوفة لكل من يعرف السياسة وأساليبها وخبثها.

المُنعرَج الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط خطير للغاية، وهو مفصلي لتحديد شكل القضية مستقبلًا، وفي كل حدث يمر بالمنطقة استذكر تصريح معالي السيد وزير الخارجية الذي قال "إنّ مواجهة الواقع الذي لا يمكن إنكاره وهو أنه فقط من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني لفلسطين يمكّن للمنطقة والعالم استعادة السلام، وأي شخص يعتقد أننا نستطيع تحقيق السلام بوسائل أخرى- من خلال احتواء إيران، أو القضاء على حماس أو هزيمة حزب الله، أو من خلال الدعم السياسي والعسكري والمالي الثابت لإسرائيل- إما أنه مخدوع أو ساذج أو يحاول عمدًا تجنب الحقيقة". وهذه حقيقة بيَّنها معاليه في التصريح؛ حيث إن أساس المشكلة ليست في وجود قوى تدافع عن أرضها المغتصبة، بل في وجود محتل مغتصب.

هذا ما يدركه النتن الذي يعلم أن وجوده مرتبط بالقوة والحرب والإرهاب واغتصاب الأرض ونشر الفوضى والدمار، وتدمير الدول التي تعارض وجود هذه الدولة اللقيطة، ولذلك هو يسير في طريق تحقيق أهداف هذا الكيان بالطريقة التي يدرك أنها الوحيدة لاستمرار مشروعهم الإجرامي، حتى في عز ضعف الدول العربية والإسلامية وتشتتها يدرك أن مشروعه في خطر ولا بُد من استمرار القوة، ومع رعاية غربية ودعم لا محدود وصمت وعجز من المنظمات الدولية التي طالما كان صوتها عاليًا على الضعفاء وخافتًا مع الأقوياء.

على قادة دول الخليج والدول العربية والإسلامية أن يُدركوا- وهم كذلك- أن الاتحاد ووحدة الصف والمصير هي السبيل الوحيد للقضاء على هذا الكيان الغاصب، وأن نبذ الخلافات هو الطريق الأوحد للوصول لهذه الغاية، وإلّا سوف يأتي الوقت على الجميع واحدًا تلو الآخر، وما شاهدناه خلال عقود من الصراع يؤكد ذلك، ولن تكون قطر هي البلد الأخير في قائمة هذا المحتل.

تملك الدول العربية والإسلامية القوة والثقل الذي يمكنها من مواجهة هذا المخطط الخبيث ووقفه؛ بل والقضاء عليه، فاليوم لم تعد الأمة الإسلامية كما كانت في السابق مُستعمَرة ومغلوب على أمرها ومُقسَّمة تحت حكم الغير، ولم يعد الفقر ينهش كل أطرافها من أقصاها إلى أقصاها؛ بل أصبح بعضها متحكم بالاقتصاد العالمي، كما أن الموقع الجغرافي يمارس دورًا مُهمًا في تعزيز عوامل القوة، وقد آن الأوان لتفعيل الاتفاقيات وبرتوكولات الدفاع والأمن ووضعها موضع التنفيذ؛ فالخطر أصبح على الجميع دون استثناء.

قمة الدوحة منعرج مُهم لتحديد مسار القضية العالقة منذ عقود، ورغم تشابه ظروفها مع كثير من القمم العربية إلّا أن هذه المرة وصل الخطر إلى مرحلة متقدمة، فإمَّا أن يكون هناك رد حاسم، أو المضي في طريق القبول والخضوع وتصديق الوعود والأكاذيب التي باتت مضحكة في كل مرة يتم إطلاقها؛ فالعدو ومن يدعمه بات أوضح من الشمس في رابعة النهار، والمشروع ومن يسانده من داخل وخارج المنطقة، لم يعد خافيًا على أحد، ويبقى فقط صوت الكرامة العربية والإسلامية الذي نُعوِّل عليه كشعوب في استرداد حقوقنا من هذا المحتل.. فهل تنجح قمة الدوحة في ذلك؟

الأكثر قراءة