حمود بن سعيد البطاشي
العدالة الاجتماعية من أهم ركائز استقرار المجتمعات، وهي المعيار الذي تُقاس به نزاهة الأنظمة الاقتصادية والسياسات المالية في أي دولة. ومن بين أبرز القضايا التي تستحق وقفة متأنية وإعادة نظر، ما يتعلق بصرف منافع كبار السن لمن بلغوا سن الستين عامًا؛ حيث يُصرف لهم مبلغ شهري مقداره 115 ريالًا عُمانيًا، بغض النظر عن أوضاعهم المالية أو مكانتهم الوظيفية أو حجم دخولهم من مصادر مُتعددة.
قد يتساءل المرء: هل من المعقول أن يستفيد من هذه المنفعة وزير سابق أو وكيل وزارة أو مدير عام أو رجل أعمال، يتجاوز دخله الشهري من عقارات وتجارات وأراضٍ ما لا يقل عن عشرة آلاف ريال عماني، وربما أضعاف ذلك، في الوقت الذي يظل فيه الشاب الباحث عن عمل، أو الموظف المسرَّح من عمله، يترنح بين الحاجة والعجز عن تلبية متطلبات حياته الأساسية؟ أليس من الأولى أن توجه هذه المبالغ لمُستحقيها ممن لا يملكون مصدر دخل ثابت أو ضمان معيشة كافية؟
هنا يبرُز السؤال الكبير: أين تكمُن العدالة في مساواة الغني بالفقير، والمُكتفي بالمُحتاج؟ إن فلسفة الدعم الحكومي والمنافع الاجتماعية تقوم على مبدأ سد الفجوة المعيشية بين الطبقات، وضمان حد أدنى من الكرامة الإنسانية لكل مواطن، لا أن تكون مجرد منحة عامة تُصرف بلا تمييز، يستفيد منها القادر وغير القادر على حد سواء.
لا أحد ينكر فضل الجهود الحكومية في رعاية كبار السن وتقدير عطائهم؛ فهذا أمر مشكور ومقدَّر، ولكن التقدير لا يعني المساواة العمياء التي قد تُفضي إلى ظلم اجتماعي؛ فالإنصاف يقتضي أن تكون هذه المُخصَّصات مرهونة بالوضع المعيشي للفرد، بحيث لا يستفيد منها من يملك مصادر دخل عالية تكفيه وتزيد عن حاجته. وفي المقابل، يُعاد توجيه هذه المبالغ لمستحقيها من الباحثين عن عمل، أو للأسر محدودة الدخل، أو لمن يعانون ضيق الحال.
إنَّ إعادة النظر في آلية صرف منفعة كبار السن ضرورة مُلحَّة، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة وتزايد أعداد الباحثين عن عمل. فمن غير المنطقي أن يُترك هؤلاء الشباب بلا عَوْنٍ أو دعم شهري يعينهم على مواجهة أعباء الحياة، بينما تُصرف المخصصات لأشخاص لا يحتاجونها. ولا يخفى على أحد أن البطالة تُعد من أكبر التحديات التي تواجه المجتمع، وحلها لا يقتصر على إيجاد الوظائف فحسب، بل يبدأ أيضًا بتوفير مظلة حماية اجتماعية تحفظ كرامة الباحثين عن عمل وتمنحهم فرصة للعيش الكريم إلى أن يجدوا مصدر دخل ثابت.
ولعل الحل الأنسب يتمثل في إعادة هيكلة نظام المنافع الاجتماعية وفق معايير واضحة وشفافة، تقوم على دراسة الحالة المعيشية لكل فرد، وربط صرف المخصصات بالدخل الشهري أو الأصول المالية، كما هو معمول به في كثير من الدول المتقدمة. فهناك من يعتمد نظام "اختبار الدخل" (Income Test) لضمان أن تصل المساعدات إلى مُستحقيها فقط. وهذا النموذج يمكن تطبيقه محليًا عبر قواعد بيانات دقيقة تربط بين الجهات الحكومية والأنظمة المصرفية والتجارية، بما يضمن عدالة التوزيع وفعالية الإنفاق.
الحكومة -بما عُرف عنها من حرص على المصلحة العامة- مُطالَبةٌ اليوم بمراجعة هذه السياسة بجدية، ووضع آلية تضمن توجيه المنافع الاجتماعية إلى حيث يجب أن تكون. فالأموال العامة أمانة، والعدل أساس الحكم، والمجتمع لن ينهض إلّا إذا وُزعت الموارد بما يحقق التكافل ويردم الفجوات المعيشية بين طبقاته.
ختامًا، يبقى السؤال مطروحًا: هل يُعقل أن ينعم الميسورون بامتيازات إضافية هم في غِنى عنها، بينما يُترك العاطلون والمُسرَّحون من أعمالهم في مواجهة قسوة الحياة بلا سند؟
الإجابة واضحة لكل مُنصف، والعدل يقتضي تصحيح هذا الخلل فورًا، حتى ينعم المجتمع بالعدالة والإنصاف دون جور أو ظلم.