علي بن حبيب اللواتي
في ظل التحولات العالمية المتسارعة، لم يعد الانفتاح الاقتصادي والجيوسياسي خيارًا؛ بل قد أصبح ضرورة وجودية للدول التي تسعى لتأمين مُستقبلها.
ودول مجلس التعاون الخليجي، بما تملكه من موارد مالية وثروات وطموح مستقبلي، وموقع جغرافي حيوي فهيه تتوسط العالم جغرافيًا لتقف اليوم أمام فرص إستراتيجية لتعزيز شراكتها مع منظمة شانغهاي للتعاون (SCO)، التكتل الآسيوي الصاعد الذي يضم قوى اقتصادية وديموغرافية كبرى كالصين، الهند، روسيا، ودول آسيا الوسطى.
منظمة شانغهاي تمثل سوقًا ضخمة يتجاوز تعداد سكانها 3 مليارات نسمة، والانفتاح عليها سيُعزز من صادرات دول الخليج غير النفطية، ويفتح أبوابًا جديدة لاستثمارات استراتيجية في مجالات الزراعة، التعدين، التكنولوجيا، والصناعة التحويلية وغيرها. كما أنه سيوفر بوابة لتقليل الاعتماد على الأسواق الغربية، ليُسهم في تنويع مصادر الدخل فينقلها لمستويات أعلى.
إنه ببساطة تحول لوجستي يدعم الرؤية الخليجية كون موقعها في منتصف العالم فيجعلها بجدارة حلقة وصل طبيعية بين دول آسيا وأفريقيا وأوروبا؛ فالتعاون مع دول المنظمة يدعم خطط الربط عبر السكك الحديدية، وتطوير الموانئ وتشغيل كامل طاقتها، وربط الممرات اللوجستية كـ"الحزام والطريق" بموانئ مثل الدقم، وجدة، والدوحة، مما يحول الخليج إلى مركز عبور عالمي مميز بلا منازع.
وهذا التعاون يمثل شراكة صناعية وتقنية عالية تسرّع من التنمية لدول الخليج، فدول مثل الصين وبقية دول المنظمة تملك خبرات صناعية عميقة في التصنيع بأشكاله المتعددة، ولديها التكنولوجيا المتقدمة، وابتكارات عديدة في مجال الطاقة المتجددة، فعليه بجذب هذه الخبرات إلى الخليج سيسرّع من إنشاء المجمعات الصناعية الذكية، وينقل المعرفة التقنية المطلوبة لبناء اقتصاد منافس متطور، ويوفر مختلف الأعمال للقوى الوطنية الحالية وللأجيال القادمة، إنها نهضة اقتصادية متجددة تطمح دول مجلس التعاون لتحقيقها.
وهناك مجالات التعاون الأكاديمي والمهني مع جامعات عريقة في الصين وروسيا والهند ومراكز تأهيل فني ومهني سيفتح آفاقًا جديدة للطلبة الخليجيين، خاصة في مجالات التصنيع المتعددة والصناعات التحويلية ومشتقات النفط، والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي، والصحة العامة، وغيرها من متطلبات النهضة الاقتصادية المتجددة.
للعلم إن جائحة كورونا أظهرت أهمية السيادة الصحية للأوطان، فعبر الشراكة مع دول منظمة شانغهاي، يمكن للخليج تطوير قدراته في الصناعة الدوائية والمعدات والأدوات والأجهزة الطبية، وكذلك إنشاء مصانع مشتركة للقاحات والأدوية، وتقوية شبكات الاستجابة الصحية للأزمات.
وبينما لا تزال دول الخليج رائدة في إنتاج الطاقة التقليدية، فإن التعاون مع دول منظمة شانغهاي سيفتح الباب لتطوير بدائل الطاقة مثل الهيدروجين الأخضر، الطاقة الشمسية، والشبكات الذكية، مما يدعم التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون.
ومن خلال تبادل الخبرات والاستثمارات مع الدول الآسيوية المتقدمة، يمكن تسريع وتيرة تطوير البنية التحتية الخليجية لتكون أكثر ذكاءً واستدامة وصلابة، خاصة في مجالات النقل، الإسكان، وإدارة الموارد الطبيعية والبشرية.
مما ذكر أعلاه نكتشف أن التقارب مع منظمة شانغهاي ليس مجرد خيار سياسي، بل هو الاستثمار الذكي في مستقبل دول الخليج؛ فهو دعامة استراتيجية لتحقيق رؤية دول الخليج الاقتصادية، وتعزيز مكانتها في عالم متعدد الأقطاب.
ومن خلال التعاون الاقتصادي، التعليمي، والصناعي مع الشرق، ستصنع دول الخليج مكانًا متوازنًا بين القوى العالمية، وتحجز لنفسها دورًا فاعلًا في معادلات القرن الحادي والعشرين، إنه وقت التحرك الذكي، لا وقت التردد.
والانضمام إلى منظمة شانغهاي للتعاون له ثلاث مستويات:
1. الشريك في الحوار، وهو أدنى مستوى، وبه مميزات؛ حيث يسمح بالمشاركة في بعض الأنشطة، من دون أن تمتلك حق التصويت، وتعتبر هذه المرحلة هي البوابة الأولى لبناء الثقة والتعاون.
2. دولة بدرجة مراقبة وهي درجة وسطى؛ حيث يمكن للدول أن تشارك في الاجتماعات رفيعة المستوى، لكن لا تملك حق التصويت لكن يمكن أن تتفاعل مع أجندة المنظمة، ويمكنها أن تتقدم لاحقًا لعضوية كاملة بالمنظمة.
3. عضو كامل وهي أعلى درجة ومميزاتها تتضمن أن يكون للدولة حق المشاركة في صنع القرار والتصويت، وعليها الالتزام بميثاق المنظمة وسياساتها، ويشمل ذلك التعاون الأمني، الاقتصادي، والثقافي.
السؤال الآن: دول الخليج العربي أين موقعها حالياً من عضوية منظمة شانغهاي؟
حاليًا كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ودولة قطر هم أعضاء (بمستوى شريك حوار) وتعتبر في المستوى الأول، بينما لم تنضم مملكة البحرين ودولة الكويت وسلطنة عُمان للمنظمة في أي مستوى.
والسؤال الأهم، لماذا بقاء دول مجلس التعاون في المستوى الأول يبدو منطقيًا؟
الانضمام كشريك في الحوار يعتبر كافيًا حاليًا لدول الخليج، ويمثل خطوة ذكية ومتوازنة للأسباب التالية: يمكنها الحصول على المزايا دون التزامات ثقيلة عليها؛ حيث يمنحهم بابًا للتعاون الاقتصادي والتقني والثقافي دون الدخول في التزامات أمنية أو سياسية معقدة. كما يتيح الوصول إلى الاجتماعات والحوارات مع دول كبرى كالصين وروسيا والهند.
ويوفر هذا المستوى مرونة كافية في العلاقات الدولية فيحتفظون بعلاقاتهم مع الغرب والولايات المتحدة، دون تصادم وبتواصل، فيتوفر لهم بذلك هامش دبلوماسي مفتوح لتوسيع مصالحهم.
ويسمح لهم في نفس الوقت بالتوازن في العلاقات الثنائية، علمًا بأن هذه المستوى سيمكنهم من البدء بمشاريع حقيقية في التجارة البنية، ومشاريع البنية التحتية، التعليم، الصحة، دون الحاجة إلى عضوية كاملة. كذلك سيوفر لهم دعمًا لمبادرات الطاقة المتجددة، وتوسعة مجالات بناء الأمن الغذائي، والربط اللوجستي.
هذا المستوى سيمثل اختبارًا حقيقيًا لمعرفة وإدراك لجدوى الشراكة كتجربة عملية قبل اتخاذ خطوة أكبر للانضمام بعضوية كاملة لاحقًا إن رغبت إحدى الدول.
باختصار.. فإن صفة "شريك حوار" تمنح دول الخليج مزايا استراتيجية واقتصادية مع الحفاظ على استقلالية القرار السياسي لدولهم.
والسؤال المنطقي: متى تخطو عُماننا الحبيبة وتسعى للانضمام لمنظمة شانغهاي للتعاون؟