ماجد المرهون
لا يُمكن تعريف اللؤم بكلمةٍ جامعة واحدة كالبُغض مثلًا أو الحقد والخُبث والانتقام، بل هو مفهومٌ شامل يتولَّد من كل تلك الصفات الدنيئة ويتأرجح بينها ويتَّخذ إحداها أو أكثر حسب ما يستدعيه الموقف والحدث، وهو باختصار طبيعةٌ شيطانية تميل بصاحبها إلى الاستمتاع بالأفعال الشريرة بقصد إيقاع نوعٍ من أنواع الأذى بالآخرين، سواءً كان جسديًا وهو أكبرها درجة أو نفسيًا في أقل درجاته.
قد لا تظهر علامات السُوء والشر على الإنسان اللئيم بشكل واضح أو دائم، وغالبًا ما يظهر هذا الشخص بهيئةٍ طبيعية وفي معظم الأحيان، إلا أنه يميل للنرجسية السلطوية وتسوقه أناته اللاواعية إلى حب الظهور والاستماتة في إبقاء نفسه مركز الحدث، وسيعمل حثيثًا على اتخاذ كل السُبل والطرق بصرف النظر عن أهليتها أو تطرفها حتى يضمن بقاءه في تلك الصورة المحورية وإطار الاهتمام والأهمية، وهو بلا شك شخص يتمتع بذكاءٍ فائق يُمكنه من ربط كُل أطراف خيوط الأحداث التي يعتقد أنها تضمن له الاستمرار، وقد يفرط عِقد ذكائه أحيانًا إذا تمادى في الأمر مع تعقيد تشابك المصالح؛ إذ تتكشف تصرفاته تباعًا لدى عامة الناس، وفي هذه المرحلة تحديدًا يبدأ سريان الشكوك من حوله بالدوران وتبدأ معها المرحلة التالية وهي كسب الأعداء وبشكل متسارع.
ولا يُشكِّل الشخص اللئيم من عامة الناس خطرًا واسعًا لأنَّ عملهُ في نطاقٍ ضيق لأغراضه الشخصية يحول دون تغوله وسرعان ما تُكشف أوراقه لا سيَّما وأن محدوديته وضعف نفوذه يحدان من توسعه، وقد تدور في أوساط الناس من حولهُ بعض المحاذير كضرورة الابتعاد عنه وعدم التعامل معه كما لا يمكنه إكراههم وغصبهم، حتى إذا وصل في مرحلةٍ من مراحل حياته إلى التعجُّب والاستغراب من وحدته وانفضاض النَّاس من حوله تدخلت نرجسيته الواهمة بمنطقية تصديق نفسه وتكذيب الجميع.
مكْمنُ الخطر هو عندما يُصبح الشخص اللئيم زعيمًا رفيعًا ورئيسًا لدولةٍ عظيمة، فذلك شأنٌ استثنائي يستدعي الوقوف عنده، ليس تحليلًا لظروف وطريقة وصوله إلى رأس هرم السُلطة لأنَّه شأنٌ مُناط بذكاء الشخصية اللئيمة، وإنما الوقوف على ما قد يترتب جراء أفعال وتصرفات ذلك الزعيم اللئيم، والتي ستنعكس مؤكَدًا بالسوء على شريحةٍ واسعة جدًا من الناس، خصوصًا أنه يمتلك قدرًا هائلًا من النفوذ يجعله قادرًا على تمرير استمتاعه بالشر وإلحاق الأذى بالآخرين، مع سهولة اجتراح الأسباب لأخطائه واختلاق المُبررات لأكاذيبه، في ظل وجود حماية قصوى له وصعوبة محاسبته والنيَّل منه ومُعاقبته على أفعاله، هذا فضلًا عن عدم شعوره بتأنيب الضمير لوجود طغمةٍ تروج له وتُسبغ عليه صفة الأهلية.
دون أدنى شك أنَّ الشخصية المُتطرفة المثيرة للجدل والتي أقصدها في عنوان هذا المقال هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ حيث تدرج بذكائه على سلَّم المال والنفوذ منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى تسعينياته، عندما تمكن من إنقاذ إمبراطوريتهُ المالية من شبح الانهيار الاقتصادي العالمي- آنذاك- وصولًا إلى العقد الأول من الألفية الثالثة، في معزلٍ شبه تام عن أخلاقيات الاستمرارية باستثناء مبدأ المال فقط، وذلك شأنه وليس الكُل مجبرًا على التعامل معه، ولكن مع وصولهِ إلى رئاسة أقوى دولةٍ في العالم فإنَّ لؤمة ازداد وتعاظم بحجم السُلطة والنفوذ اللذين امتلكهما، ولم يعد هذا بالأمر الخفي لكُل مُتابعٍ للأحداث ولو بشكل مُتقطع.
أريدُ أن أُصدِّق أن ترامب لا يزال محبوبًا حول العالم وليس في أمريكا فقط لما تَكتَنفه شخصيته النرجسية من غموض، ولكني لا أستطيع، وأجزم أن نسبة كراهيَّة العالم له قد تضاعفت وتجاوزت خطوط الشكوك الوهمية، وربما وصلت إلى دوائر القناعة واليقين؛ نظرًا لما يصدر عنه من تصريحاتٍ مُشينةٍ لا تليق برئيس دولة وتصرفاتٍ لا ترقى للزعامة، والأمر فاقع الجلاء مع تعمُّد إهانتهِ لرؤساء الدول علنًا وهم في ضيافته، ويبدو أنَّ الرجل يستمتع بدافع اللؤم بإيقاع الأذى بالآخرين وتجريحهم باستصغارهم، ولارتكازه على نفوذٍ مُطلق فلن يجد له من رادع أو متصدٍ ومُحاسِب.
إنَّ أكبر نجاحٍ يُمكن أن يتصف به هذا الرئيس الأمريكي ويُنسب له هو قدرته الفائقة على كسب أعداء جُدد لبلاده، وهي إضافة متسارعة لم تصل لها الولايات المُتحدة في هذا الوقت القياسي من قبل، حتى أن كندا الجارة التقليدية لم تسلم من اللؤم، فضلًا عن أوروبا وروسيا والصين، أما الشرق الأوسط المسكين الذي يتوارث رُهاب الخوف الأمريكي فقد دفع به لؤم ترامب إلى اتخاذ موقف حازمٍ صارمٍ وهو "لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم"؛ وذلك في نظرهم أحكم وأسلم؛ فكيف لا يفرح العالم ويستبشر بخبر موت هذا الزعيم النرجسي اللئيم، وإن جاء الخبر كاذبًا أو على شكل شائعة؟! فإن حدث ذلك أو تحقق وسيتحقق فأعدكم بأن أكون ضمن قوافل الشامِتين!