حمود بن علي الطوقي
قضية الباحثين عن العمل والمُسرَّحين أصبحت اليوم الموضوع الأكثر تداولًا في منصات التواصل الاجتماعي والأوساط المجتمعية عامةً، وأخذت أبعادًا اقتصادية واجتماعية وأُسرية وأصبحت تمس كل بيت عُماني، حتى أصبح كل بيت يضم باحثًا او باحثة عن عمل، إضافة إلى قضية المُسرَّحين من أعمالهم الذين يمثلون عبئًا إضافيًا على هذا الملف الثقيل.
شخصيًا كصحفي ومتابع للسوق ننبش بين الفينة والأخرى قضايا هذا الملف المُثقل بالهموم محاولين فَهم أبعاده وتداعياته على الشباب والأسر والمجتمع. وأعلم يقينًا الجهود التي تبذلها الحكومة لإيجاد حلول والبحث عن فرص عمل جديدة تسد رمق الباحثين عن العمل. وأثناء متابعتي اكتشفتُ أنه بعد أن تبينت لي الحقيقة بالأرقام المعلنة، أننا ندور في دائرة مغلقة تضعنا أمام تحدٍ كبير وتكمن هذه المشكلة بصغر حجم السوق وهو مربط الفرس.
الأرقام الصادمة توضح فعلًا أن سوقنا صغير جدًا، ويتطلب توسعته وتضخيمه وتسمينه؛ حيث توضح الإحصاءات الرسمية ذلك وبشكل جليّ أنه على الرغم من وجود نحو 450 ألف سجل تجاري مسجل لدى وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، إلّا أن حوالي 700 شركة فقط قادرة على توظيف عدد كبير من العُمانيين؛ حيث تستوعب نحو 180 ألف موظف عُماني. وفي المقابل، بقية الشركات حجمها صغير ومتوسط، وغير قادرة على استيعاب العدد الكبير من الباحثين عن العمل. هنا نضع هذا المؤشر كحالة يجب مناقشتها، بشكل دقيق، وأن تكون الحكومة بكل مُمكِّناتها الشريك في وضع هذه الملف أولى أولياتها.
الأرقام الرسمية تُشير إلى أن إجمالي القوى العاملة الوافدة في السلطنة حتى مايو 2024 بلغ نحو 1.8 مليون عامل، أغلبهم في القطاع الخاص 1.42 مليون عامل والبقية في القطاع العائلي بعدد 334 ألف عامل، والقطاع الحكومي بـ42 ألف عامل، وتتمركز القوى العاملة الوافدة بالحكومة في قطاعات التعليم والصحة والخدمات. أما القطاع الأهلي فيضم نحو 6 آلاف عامل. ويبرز قطاع التشييد كأكبر مستوعب للقوى العاملة الوافدة بعدد 453 ألف عامل، يليه تجارة الجملة والتجزئة والصناعات التحويلية، بينما تتوزع المهن الأخرى بين الهندسة والخدمات والبيع والزراعة والصناعات الغذائية.
هذه الأرقام توضح أن السوق العُماني بحاجة إلى توسيع قاعدة الشركات القادرة على التوظيف الفعّال.
فعليًا.. 700 شركة فقط تقود عجلة الاقتصاد، وأتمنى أن تضع الخطة الخمسية المقبلة هدفًا لتوفير 50 ألف وظيفة جديدة سنويًا، لكي نضمن استيعاب نحو 250 ألف باحث عن عمل في السنوات الخمس المقبلة، وفي حالة تحقيق هذا المطلب أُجزم أننا سوف نقضي على تداعيات هذا الملف نهائيًا، وعلى الحكومة من خلال جهاز الاستثمار العُماني والمناطق الاقتصادية والحرة والخاصة أن تعمل معًا لبلوغ هذا الهدف المنشود.
ماذا لو كان لدينا نحو 1000 شركة إضافية مُشابهة للشركات الكبرى الحالية، الـ700، التي تُوظِّف نحو 185 ألف مواطن، لا شك أننا كُنا سنتمكن من القضاء على مشاكل الباحثين عن العمل بشكل نهائي.
إن مطالبنا تنصب دائمًا على أهمية تنويع القطاعات الاقتصادية والاعتماد على مصادر جديدة للدخل، ودعم برامج ريادة الأعمال الوطنية، وتطوير برامج التعليم والتدريب والتأهيل المهني لضمان فرص عمل مستدامة؛ إذ إن توسيع قاعدة الشركات القادرة على التوظيف الفعّال، يضمن مستقبلا أفضل للشباب العُماني.
إننا ننشد في كل مقال ورؤية نطرحها إلى تطوير بيئة الأعمال بما يجعل مؤسساتنا قادرة على استيعاب طاقات الشباب بشكل فعّال ومُستدام؛ مما يُعزِّز فرص العمل ويحمي الأسرة العُمانية من تداعيات أزمة التوظيف.
فمتى يا ترى سنُغلق هذا الملف؟