التكامل الحكومي.. المطلب القديم المتجدد

 

 

 

خلفان الطوقي

 

التكامل الحكومي ككلمة مكتوبة في الوثائق الحكومية موجود منذ بداية السبعينيات، ويبقى هذا هو الهدف الأسمى لكل جهد يُقدَّم للدولة والمواطن والمقيم، وقد كُتب في هذا الموضوع مئات المقالات، وسوف يستمر هذا المطلب المجتمعي مستمرًا، فمهما كان الجهد الحكومي كبيرًا، تبقى الآمال والتطلعات المجتمعية أكبر وأعظم.

لا أحد ينكر أن هناك جهدًا حكوميًا قد تم في موضوع "التكامل الحكومي"، تجده واضحًا في بعض المبادرات الحكومية، وخجولًا في مبادرات حكومية أخرى، والسبب هو أن بعض الجهات الحكومية أو بعض رؤساء الوحدات الحكومية أكثر وعيًا بالتكامل في العمل الحكومي من غيرهم من المسؤولين، ويتضح أن الفاصل هو الجهد والنضج الفردي وليس العمل المؤسسي المُمنهَج.

سيبقى المطلب المجتمعي للتكامل الحكومي مُتجددًا؛ لأن المُستجدات والتطورات والتحديات مستمرة، ولا بُد أن تكون القراءة الميدانية واستشراف المستقبل حاضرَين عند كل الهيئات والمسؤولين الحكوميين.

وكلما تكاتفت وتكاملت الجهود الحكومية، تمكَّنت هذه الجهات من مجابهة التحديات وإزالة العوائق مهما كانت. وكما يُقال: اليد الواحدة لا تُصفِّق، وإن صفقت، فصوتها لن يُسمع إلّا للقليل أو للقريب جدًا، ولكنه لن يُحدث أثرًا مُستدامًا أو واسعًا.

التكامل الحكومي ليس بالضرورة أن يكون في الموضوعات المعقدة فقط، وإنما يمكن تقسيمه إلى عدة أقسام؛ منها طويلة المدى التي يستدعي العمل فيها خطة طويلة وفرق عمل ولجان واجتماعات مطوّلة ولقاءات مكررة وقرارات وزارية وغيرها من التفاصيل.

وقسم متوسط المدى، ويستدعي عملًا ورصدًا وتحديد أولويات وتدخلًا من الإدارات العليا ورؤساء الوحدات، ويمكن سد الثغرات بعد فترة من الزمن.

أما التكامل الحكومي السريع، والذي يمكن قطف ثماره سريعًا أو ما يُسمى "Hanging Fruit"، فمن خلاله يمكن أن يتحول الاجتهاد الفردي للجهة الحكومية إلى سياسة تكامل حكومي مؤسسي مُمنهَج. ويمكن شرح ذلك من خلال المثال المبسط الموضح أدناه.

على سبيل المثال: إعلان مبادرة تستهدف فئة الشباب العماني الراغب في الاستثمار في التقنية المالية (FinTech)، وصاحبة المبادرة هي الهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. فلديها خياران:

الأول: الإعلان عن المبادرة بمفردها، وانتهى الموضوع، وسوف يُسجل في سجلاتها وتقاريرها التقييمية أنها قامت بهذه المبادرة، بغض النظر عن أثرها الميداني.

أما الخيار الثاني فهو أن تقوم الهيئة بالإعلان وتكون صاحبة المبادرة، وتضم معها شركاءها الحكوميين وغير الحكوميين، وتكتب: بالتعاون مع وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، والهيئة العامة للخدمات المالية، والبنك المركزي العماني، ومركز الشباب، ووزارة الثقافة والرياضة والشباب، وبورصة مسقط، وبنك التنمية، وغرفة تجارة وصناعة عُمان، وغيرهم من الشركاء الذين لهم علاقة بهذا الموضوع بأي شكل من الأشكال ويمكن أن يكونوا قيمة مضافة للوصول والتأثير لأكبر شريحة من الشباب.

الهيئة صاحبة المبادرة والفكرة كسبت في تقييمها وسجلها، أو مثلما يُقال تجاوزًا: حصلت على الـ(credit)؛ بل وكسبت أنها طلبت من شركائها مشاركتها النجاح، وأوصلت للفئات المستهدفة مفهومًا بأن الحكومة تعمل كفريق واحد ولأجل هدف واحد، واستطاعت أن تصل لأكبر شريحة من الشباب المستهدف، وتركت أثرًا أكبر، وخلقت أجواء لشراكات مستقبلية أعمق. كما يمكنها أن توزع المسؤوليات على باقي الشركاء، كالمسؤوليات المالية والإدارية والتسويقية واللوجستية، والمشاركة في قوائم المستهدفين، وبذلك يسهل الحمل بين كافة الأطراف.

والمثال المذكور لا يعني انتقاد جهة حكومية معينة أو وجود تقصير منها، إنما لتسهيل إيصال فكرة المقالة. وهذا المثال يمكن إسقاطه على أي مبادرة حكومية تستهدف المجتمع أو القطاع الخاص أو نشاطًا تجاريًا معينًا أو قطاعًا بعينه.

النجاح الحقيقي والمأمول لأي عمل أو جهد، أن تتمكن وزارة أو هيئة أو أي مؤسسة حكومية من ضم شركائها معها في كل ما تقوم به. وكلما زاد شركاؤها زاد نجاحها وتأثيرها فيما تستهدف. والهدف الأسمى هو انتقال هذا الفكر من اجتهادات فردية إلى سياسة حكومية مؤسسية مؤطَّرة ومُطبَّقة.

الأكثر قراءة