ترجمة: أنور الخنجري **
في وقت سابق من هذا الشهر، حضرتُ اجتماعًا مفتوحًا مع عضو الكونجرس جيك أوكينكلوس من ماساتشوستس. ولأنه ديمقراطي معتدل في منطقة لطالما كانت ديمقراطية، توقعتُ أن تكون معظم الأسئلة التي ستُطرح عليه ستكون على شاكلة "لماذا لا تُحارب ترامب بقوة أكبر؟".
في الواقع، كانت كلمات أوكينكلوس الافتتاحية بمثابة نقاط نقاش ديمقراطية نموذجية، بما في ذلك الدفاع عن الدستور، وتنشيط الحزب الديمقراطي، وإعادة فتح الحوار الأمريكي. وبينما دارت بعض أسئلة الناخبين حول هذه المواضيع أيضًا، إلا أنها لم تكن الموضوع الرئيسي.
كان السؤال الأكثر شيوعًا في إحدى أكثر المناطق الانتخابية اليهودية كثافةً في البلاد هو سؤالٌ مُختلف:
"ماذا ستفعل بشأن المجاعة في غزة؟"
ليس أوكينكلوس الممثل الوحيد الذي واجه أسئلة غاضبة حول غزة في قاعات بلدته، علاوة على ذلك، إن ردود الفعل على إجابات أوكينكلوس المتكلفة والمختصرة (الجوع أمرٌ سيء؛ تأييد إسرائيل وتأييد الفلسطينيين لا ينبغي أن يكونا متناقضين؛ حماس تتحمل مسؤوليةً فرديةً في إنهاء الصراع) أظهرت أنه على الرغم من وجود بعض مؤيدي الحكومة الإسرائيلية الحالية بين الحضور، إلا أن عدد منتقدي إسرائيل -ودعم الولايات المتحدة لها- كان يفوق عددهم بكثير.
هل ينبغي أن يُقلق هذا الإسرائيليين؟ ليس على المدى القصير، فبالنظر إلى أي تحليل موضوعي، أصبحت دولة إسرائيل أكثر أمانًا وأمنا الآن مما كانت عليه قبل هجمات حماس القاسية في 7 أكتوبر 2023. لقد أدت حملة إسرائيل المستمرة في غزة إلى جعل حماس مجرد هيكل لما كانت عليه في السابق. ومع ذلك، خارج الأراضي المحتلة، أضعفت إسرائيل أيضًا مجموعة من الدول والميليشيات المجاورة. لقد شلت هجماتها الدقيقة على حزب الله، تلك الميليشيا المدعومة من إيران، كما انتهت الحرب الأهلية في سوريا بسقوط بشار الأسد وتوسيع إسرائيل للمنطقة العازلة في ذلك البلد، وأدى هجومها الأخير على إيران إلى إضعاف قيادة الحرس الثوري، وجر الولايات المتحدة إلى صراع في الشرق الأوسط إلى جانب إسرائيل. وبذلك، تتمتع إسرائيل الآن بنفوذ استراتيجي وعسكري أكبر في الشرق الأوسط من أي وقت مضى في هذا القرن.
مع ذلك، فإن الثمن الذي دفعته إسرائيل مقابل هذه النجاحات العسكرية باهظ، وقد يُخلّف تآكل الدعم الشعبي آثارًا طويلة الأمد على إسرائيل وعلاقاتها مع حلفائها الحيويين.
لطالما تعرّضت إسرائيل لقدرٍ غير متناسب من الانتقادات من جهاتٍ مُعيّنة حول العالم. ولم يكن ذلك مُهمًّا طوال مُعظم هذا القرن، حيث تساهل حلفاء إسرائيل في الغرب، والقوى العظمى الأخرى، وحتى جيرانها العرب، في الغالب مع سياسات إسرائيل في الأراضي المُحتلة، وهذا منح بنيامين نتنياهو حريةً كبيرةً في كيفية تعامله مع حماس. وبذلك، أصبحت دورة الهجمات الصاروخية الدورية على الفلسطينيين روتينيةً لدرجة أن النُخب الإسرائيلية وصفتها بـ"جزّ العشب". وقد تساهل مُحسنو إسرائيل وجيرانها إلى حدٍ كبير مع هذا السلوك، بل إن أي انتقادٍ مُتبقٍّ تبخّر فورًا بعد هجمات 7 أكتوبر. ومع فوز دونالد ترامب في انتخابات عام 2024، من المُرجّح أن النُخب الإسرائيلية اعتقدت أنها رسّخت دعم أهمّ حليف لهم في المُستقبل المنظور.
لكن في عام 2025، انقلبت الموازين السياسية ضد إسرائيل. هذا واضحٌ على الساحة العالمية، ولكنه صحيحٌ بلا شكٍّ داخل الولايات المتحدة أيضًا. وأصبح الآن طيفٌ واسعٌ من الدول والسياسيين حول العالم يرمون بالتهمة على دولةَ إسرائيل بارتكاب إبادةٍ جماعيةٍ في غزة، حتى أن بعض الإسرائيليين يستخدمون هذا المصطلح، بينما يُقرّ آخرون أخيرًا بالمعاناة التي يواجهها أبناء القطاع، مع انتشار صور أطفال غزة الجائعين في جميع أنحاء العالم.
طوال معظم هذا القرن، سعت إسرائيل وحلفاؤها جاهدةً لتجنب أي مقارنة مع جنوب إفريقيا إبان حقبة الفصل العنصري، مُدركين أن مثل هذا الربط سيضر بمكانة إسرائيل في العالم. ومع ذلك، ورغم كل ذنوبها، لم تُتهم حكومة الأفريكان في جنوب أفريقيا قط بالتحريض على إبادة جماعية، في حين تُخاطر حكومة إسرائيل الآن بتصنيفها مع نظام الهوتو في رواندا، والخمير الحمر في كمبوديا، والصين في عهد ماو، وأيضًا، مع ألمانيا النازية.
السؤال المطروح هو: هل لا يزال وصف الإبادة الجماعية ذا أهمية في عالم تتلاشى فيه الأعراف؟ ولكن مهما كانت إجابتك، فإن مجرد إجراء هذا النقاش يُشير إلى تحول كبير في البنية السياسية، وهو أمر ينبغي أن يكون مُقلقًا لكل من الإسرائيليين والأمريكيين الداعمين لإسرائيل.
دعونا نتحدث بصراحة عما يحدث حاليًا في غزة. إن الأدلة المرئية على الموت والدمار الوحشي أمر لا مفر منه، مما يشير إلى أن أكثر من نصف مخزون المساكن في غزة، الذي كان يُقدر عدد سكانه بنحو 2.2 مليون نسمة في عام 2023، قد دُمر تمامًا. وتشير تقديرات وزارة الصحة في غزة إلى أن عدد القتلى يتجاوز 60 ألفًا، وتشير الدراسات الأولية المستندة إلى مصادر أخرى إلى أن عدد القتلى قد يكون أعلى من ذلك. كما انخفض متوسط العمر المتوقع في غزة بأكثر من 35 عامًا ليصل إلى ما يقرب من نصف الرقم الذي كان عليه قبل الحرب وهو 75 عامًا، وهو انخفاض أكثر حدة مما كان عليه الوضع خلال فترة حكم ماو في الصين. بدأت الكارثة الإنسانية في التسارع بعد أن قطعت إسرائيل جميع إمدادات الغذاء في مارس من هذا العام، مدعية دون أي دليل أن حماس كانت تسرق المساعدات بشكل ممنهج. وأعلنت مجموعة الأمن الغذائي التابعة للأمم المتحدة هذا الشهر أن "أسوأ سيناريو للمجاعة يحدث في غزة"، وتتفق معها منظمات إنسانية أخرى.
إن مسؤولية إسرائيل عن معاناة غزة واضحةٌ جدًا، وكما أوضح زميلي أليكس دي وال مؤخرًا: "التجويع يستغرق وقتًا؛ ولا يمكن للسلطات تجويع شعبٍ بالصدفة". كما أن مصطلح "إبادة جماعية" له معنىً مُبالغ فيه في السياسة الدولية، ولكنه ليس غريبًا عن وصف ما تفعله إسرائيل في غزة. وبغض النظر عمن يتحمل مسؤولية بدء هذا الصراع، فإن الحكومة الإسرائيلية مسؤولة عن أفعالها في غزة حاليًا. علاوةً على ذلك، تتحدث حكومة إسرائيل اليمينية الآن علنًا عن تهجير سكان غزة بالكامل لإفساح المجال للمستوطنات اليهودية، التي تُمثل جوهر الاستعمار الاستيطاني. وقد أثار هذا الاقتراح قلق اليهود الإصلاحيين والمحافظين حول العالم. حتى بريت ستيفنز، وهو مؤيدٌ قوي لإسرائيل، حذّر من أن مثل هذه الخطوة ستكون "خطأً فادحًا".
ومع تدهور الوضع الإنساني في غزة من سيءٍ للغاية إلى مستوى يُعادل مستوى محاكم جرائم الحرب، تغيرت الآراء العالمية والأمريكية بلا شك تجاه إسرائيل. ولنتأمل هنا مجموعة الزعماء في الغرب الذين دعوا إسرائيل إلى القيام بشيء لوقف ما يسميه دونالد ترامب نفسه "المجاعة الحقيقية" التي تحدث في غزة، منهم: رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والقادة المنتخبون في المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، وحاكم ولاية بنسلفانيا الديمقراطي جوش شابيرو، وثاني أقوى ديمقراطي في مجلس النواب كاثرين كلارك، والنائبة الجمهورية في مجلس النواب الأمريكي مارجوري تايلور جرين.
تشير تقارير متعددة إلى أن قاعدة ترامب المؤيدة لحركة "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" تشعر بالفزع من تصرفات إسرائيل في الأراضي المحتلة، وبدأت تشكك في المساعدات الأمريكية المقدمة لها. ووفقًا لصحيفة فاينانشال تايمز، قال ترامب لمتبرع يهودي: "شعبي بدأ يكره إسرائيل".
حتى النائب الأمريكي ريتشي توريس من نيويورك، أحد أشد المدافعين عن إسرائيل في الحزب الديمقراطي، غيّر نبرته بشكل طفيف، محذرًا من أنه "إذا كان هناك تراجع في دعم إسرائيل في الولايات المتحدة، فهذا أمر لا ينبغي للحكومة الإسرائيلية الاستخفاف به".
********
مقال نشرته مجلة واشنطن والعالم في 16 أغسطس 2025 بقلم دانيال دبليو. دريزنر.
دانيال دبليو. دريزنر عميد أكاديمي وأستاذ مرموق في السياسة الدولية في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس الأمريكية، وهو مؤلف كتاب "عالم دريزنر".