تمكين الشباب أساس نهضة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

 حمود بن سعيد البطاشي

في ظل التوجه الوطني نحو تنمية الاقتصاد وتعزيز التنوع في مصادر الدخل، تبرز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كأحد أهم الأعمدة التي يُبنى عليها مستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سلطنة عُمان. وتشير التجارب العالمية الناجحة إلى أن هذه المؤسسات تسهم في بعض الدول بما نسبته 20% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم كبير يعكس حجم الدور الذي تلعبه هذه الفئة في تحريك عجلة الاقتصاد واستيعاب الكفاءات الوطنية.

وانطلاقًا من هذه الأهمية، فإننا نتوجه برسالة صادقة إلى الهيئة العامة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، نأمل من خلالها أن تكون المرحلة المقبلة أكثر تركيزًا على تمكين الشباب، وتأهيلهم بأسس علمية وعملية، وتوفير الممكنات اللازمة لنجاحهم في ريادة الأعمال، سواء من خلال التدريب والتأهيل، أو الدعم المادي والمعلوماتي، أو حتى الرعاية المعنوية والمتابعة المستمرة.

إن أبرز ما يواجهه الشباب اليوم ليس نقص الأفكار أو غياب الطموح، وإنما التحدي الحقيقي يكمن في غياب المهارات الأساسية لإدارة المشاريع، وصعوبة الوصول إلى المعلومة الصحيحة، والتعقيدات المرتبطة بالتمويل والمتابعة. ولهذا، فإن الحاجة باتت ملحّة إلى برامج تدريبية متقدمة وواقعية، مصممة حسب طبيعة كل قطاع واحتياجات السوق، وتُقدَّم بأسلوب تطبيقي يتيح للمستفيد أن يكتسب المهارات بشكل عملي، لا نظري فقط.

كما إن التدريب يجب ألا يكون حدثًا منفصلًا عن الواقع، بل جزءًا من منظومة متكاملة تبدأ من التوجيه، مرورًا بالتمويل، وانتهاءً بالدخول إلى السوق والاستدامة فيه. ولا بد من التفكير في تصميم برامج تدريبية متعددة المراحل، ترتبط بنمو المشروع وتقدمه، وتُسهم في بناء رائد أعمال متسلح بالمعرفة والثقة.

وفي الجانب المالي، فإننا نأمل أن تعمل الهيئة على توسيع أدوات الدعم المالي، عبر قروض مرنة وسهلة الوصول، وبرامج تمويل تناسب الإمكانيات المحدودة لرواد الأعمال الجدد، مع فترات سماح كافية تراعي طبيعة المشاريع الناشئة. كذلك من المهم توفير بدائل تمويلية مبتكرة مثل التمويل الجماعي، ورأس المال الجريء، والشراكات الاستثمارية، التي يمكن أن تُحدث فارقًا كبيرًا في استمرارية المشاريع ونموها.

أما الجانب المعلوماتي، فهو لا يقل أهمية. فوجود منصات معرفية موثوقة تتيح لرواد الأعمال الوصول إلى بيانات السوق، وتحليل المنافسة، وتقييم الفرص، هو أمر في غاية الأهمية. وقد يكون من المفيد أن تطلق الهيئة بوابة إلكترونية متكاملة، تضم محتوى تدريبيًا، وأدوات تخطيط، ونماذج جاهزة، ومؤشرات أداء، وأيضًا مساحة للتواصل بين أصحاب المشاريع والمستشارين.

ومن الأبعاد المهملة في بعض الأحيان، الجانب المعنوي والمتابعة الشخصية. رائد الأعمال في بداياته بحاجة إلى من يستمع إليه، يرشده، يقيّم أداءه، ويشجعه على الاستمرار رغم التحديات. إن المتابعة المنتظمة من الهيئة عبر مرشدين أو خبراء متخصصين ستمنح الشباب ثقة أكبر، وتساعدهم على تفادي الأخطاء التي قد تكون مكلفة ماديًا ومعنويًا.

 

كذلك نأمل أن تكون هناك جهود واضحة من الهيئة في ربط المشاريع الصغيرة بفرص السوق، سواء عبر تخصيص نسبة من مشتريات الجهات الحكومية، أو عبر تنظيم معارض محلية ودولية، أو من خلال تسهيل الشراكات التجارية مع الشركات الكبرى. لأن ضمان وجود منفذ تسويقي حقيقي هو ما يضمن بقاء المشروع واستقراره.

في الختام، لا يسعنا إلا أن نشكر الهيئة على ما تحقق من جهود في السنوات الماضية، ونؤمن أن الرؤية المستقبلية لعُمان لا يمكن أن تكتمل إلا عبر بناء قطاع ريادي قوي يقوده شباب الوطن. وبتكثيف التدريب، وتسهيل الدعم، وتوفير التوجيه، سنتمكن بإذن الله من تحويل الأفكار إلى مشاريع، والمشاريع إلى قصص نجاح تسهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطني إلى الأمام.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة