حديث خرافة!

 

أ. د. حيدر أحمد اللواتي**

 

تنتشر في بعض مجتمعاتنا الإسلامية بعض المعلومات الملفقة، والتي لا مصداقية ولا حقيقة علمية لها، ولكن على الرغم من ذلك تجد قبولا في بعض أوساط هذه المجتمعات، والسر في ذلك القبول والإقبال هو أن المتحدث أو الكاتب يستخدم أساليب بارعة تجعل عقل المسلم يتقبلها دون تمحيص ودون تحقيق، لأنها ببساطة تضرب وترا حساسا في عواطفه.

فقبل أشهر، أرسل لي بعض الأحبة فيديو انتشر كثيرا في وسائل التواصل الاجتماعي، يدّعي فيه المتحدث بأن هناك تناسقا بين طواف المسلم حول الكعبة وبين نظام الشحنات الكهربائية في جسم الكائن الحي، إذ حسب ادعاء المتحدث فإن جهة اليمين والجهة العليا والجهة الأمامية هي موجبة الشحنة، بينما جهة اليسار والجهة السفلى والجهة الخلفية سالبة الشحنة، وحسب ادعائه فإن الموجب في علم الكيمياء هو المعطي والسالب هو المستقبل، ولأن المسلم يطوف حول الكعبة بصورة بحيث يكون الطرف الأيسر هو الذي يقابل الكعبة، لذا فإنه يستمد طاقة هائلة من الكعبة، ويستمر المتحدث في تفسيراته والتي يدّعي بأنها علمية، وعند تقييم حديثه من زاوية علوم الطبيعة، فإن كلامه لا يعد كونه "حديث خرافة".

وهناك من يدّعي أن السجود مثلا يسمح بسقوط الشحنات السالبة من الإنسان على الأرض فيتخلص منها!

إن هذه المقولات تستغل المصطلحات العلمية لتمرير أفكار غير صحيحة، فالشحنة السالبة في علوم الطبيعة، لا تعني أفكارا سلبية، وليس وصفا سلبيا للشحنة، بل هو وصف علمي لا علاقة له بالسلب والايجاب بالمفهوم المتداول، كما أنه لا معنى علمي لسقوط شحنات سالبة من جسم الإنسان على الأرض، هذه عبارة ليس لها معنى في علوم الطبيعة!

لكن هؤلاء المتحدثين يستغلون نقطة ضعف مهمة، وهي أن مثل هذه الأقوال تلاقي قبولًا، بل وميلًا في نفس المسلم؛ لذلك يتقبلها دون أن يفكر كثيرًا في صحة ما يدعيه المتحدث.

ونجد أقوالا شبيهة على منصة "X"، فهناك بعض المشاهير يتلاعبون بعواطف المسلمين، من خلال طرح مقولات ليس لها أي دليل ولا مستند علمي، أحد الحسابات المشهورة، والذي يبلغ عدد متابعيه ٢٧١ ألفا، يقول في إحدى تغريداته: (أثبتت الدراسات العلمية أن الماء الذي نشربه سواء  أكان من الحنفية أو المعبأ في قارورة هو ماء ميت لا يستفيد منه الجسم، وأن وضع الماء في أوان فخارية يحييه ويعيد له طاقته العجيبة وحيويته بعد تعرضه لضغط الأنابيب التي تحمله إلى البيوت لأن الفخار أقرب مادة لجسم الإنسان!).

ومرة أخرى يمكننا أن نصف هذه التغريدة بأنها "حديث خرافة"، فالماء في علوم الكيمياء لا يوصف بأنه حي أو ميت، وكلامه لا معنى له من الناحية العلمية، ولكنه يلاقي صدى في نفس الإنسان العربي، لأنه يدغدغ مشاعره ويربطه بتاريخه ويجعله يزهو به وبتراثه الذي سبق العلم الحديث بأدواته وتقنياته، فمادة الفخار تبقي الماء حيا بينما التقنيات الحديثة ترديه ميتا!

إن هذه الأفكار المغلوطة ربما تكون نتاجا لتمّكن المادية من أذهاننا، ولذا نحاول أن نجد تفسيرا ماديا قائما على التجربة والملاحظة للأحكام الدينية، وهذا قد يزرع في أذهان البعض وهمًا خطيرًا بأن كل حكم ديني يجب أن يكون قابلا للتفسير العلمي المباشر، وأنه يمكن إثبات كل فعل عبادي أو شرعي عن طريق التجربة والملاحظة العلمية، هذا المنظور مبسط ومضلل، لأنه يغفل أن التشريعات العبادية لا تتعامل مع القوانين الطبيعية المادية فحسب، بل هي قائمة أيضا على حقائق غيبية وروحية قد لا نفهمها.

ومن هنا فإن محاولة تفسير كل التشريعات العبادية علميًا قد تضعنا في مأزق كبير؛ فلو لم نجد تفسيرًا علميًا لظاهرة ما، حينها نبدأ بالشك أو الارتباك، أو نحاول أن نجد تفسيرا متكلفا لا يقف أمام النقد.

والأمر يزداد خطورة مع الأجيال الجديدة، فعندما يكتشف الشاب المؤمن أن هذه "المعجزات العلمية" التي صدّقها بفخر، ما هي إلا أوهام وأكاذيب ملفقة، فإن الصدمة التي تتولد من هذا الاكتشاف قد تهز إيمانه بشكل عميق، لأنها كانت مبنية على أساس هش من الخرافات والتفسيرات المزيفة التي استغلت عواطفه وحبه لدينه وتراثه، وقد تؤدي إلى فقدان الثقة في الدين كله، أو تؤجج لديه حالة من التشكيك والريبة قد تؤثر على إيمانه سلبا.

لذا، علينا أن نكون أكثر حرصًا وانتباهًا، فلا يجب أن نسمح لهذا النوع من الأوهام أن يتسلل إلى معتقداتنا، ولا أن نخلط بين العلم والدين بطريقة تبعث على التضليل، فنشر المعلومات المغلوطة التي تستغل مشاعرنا الدينية ليس فقط خطيرًا على مستوى المعرفة، بل هو خطر على الدين أيضا، فعلينا التحقق من صحة المعلومة قبل أن نصدقها أو ننشرها، فالحقيقة لا تخاف من السؤال، بل تحتاج إليه ليضيء لها الطريق.

**كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

 

الأكثر قراءة