خالد بن سعد الشنفري
مسميات ثلاثة لسلل حمل الأمتعة من حبوب أو خضار وخلافه، ومنها لنقل الطين (الزنبيل)، وذلك في فترة الستينيات من القرن الماضي في عماننا الحبيبة، كانت هذه تُصنع يدويًا من الخوص أو لحاء القصب.
كنا نستعملها لحمل كل شيء، وأي شيء يخطر لنا على البال، في عصر ما قبل النهضة. ومنها ما له آذان تُقبض عليها باليد أو تتدلّى على الكتف، ومنها ما يُوضع على الرأس (القفة)، مثلما تحمل المرأة جَحْلَة الماء. ولهذه السلل أحجام وسعات مختلفة لكافة المواد والأثقال، كلٌّ حسب عمره وطاقته على التحمل.
استحضرت هذه السلل في مخيلتي مع ما انهالت به علينا مؤخرًا وسائل التواصل الاجتماعي من زوبعة حول تطبيق المرحلة الرابعة من منع استخدام الأكياس البلاستيكية، وما صاحبه من تعليقات ونُكَت استظراف، وحتى بعض التهكم مثل: "هل مطلوب منا الآن في عُمان أن يحمل كل منا مشترياته من المحلات في إزاره (الوزار) لباس الرجال الداخلي؟" أو "ما هو مصير مصانع البلاستيك؟" و"التحسر على خسائرها" وغيرها.
تناسَى الجميع فجأة أن قرار المنع ليس جديدًا أو وليد اللحظة، بل إنه قد مرت به أربع مراحل منذ العام 2020، وبدأ التطبيق فعليًا بدءًا من الصيدليات والعيادات والمستشفيات، وتدرج بمواد أخرى كالخبز والمواد الغذائية المختلفة، وصولًا إلى الحظر الكامل المتوقع استكمال تنفيذه في العام 2027.
يفترض أن تكون هذه المصانع قد كيّفت نفسها بالتحول من البلاستيك إلى أكياس من مواد صديقة للبيئة، وكان لديها الوقت الكافي لذلك التحول، فلا ضرر ولا ضرار.
لا يختلف اثنان على الأضرار الكثيرة والكبيرة لأكياس البلاستيك على البيئة، لانتشارها وحمل الهواء لها بسهولة، ولعدم قابليتها للتحلل في التربة، وأكل الحيوانات لها، حيث تتهيأ لها من ألوانها بأنها حشائش. ويا ما وجدناها في أمعائها متكدسة بعد الذبح!
أتذكر عندما كنا صغارًا في نفس المرحلة، كنا نقوم بجلب أغراض البيت (حبوب، أرز، قمح، سكر، دقيق وخلافه) من سوق ظفار الكائن داخل أسوار قصر الحصن بصلالة، ونستعمل في حمل أمتعتنا من السوق أكياسًا شبه موحدة مصنوعة من قماش قطني أبيض سميك، تخيطه النساء في البيوت، يتم إعادة استعمالها لسنوات.
وإذا اشترينا نوعين أو أكثر من هذه الحبوب كالأرز والسكر مثلًا، نربط الكيس بين كل نوع وآخر بخيوط (السوتلي) لكيلا يختلط النوعان ببعضهما، ونضع هذا الكيس من منتصفه عند الربط على أكتافنا للتوازن، ونتحرك بحمله بكل ليونة ورشاقة، سواء إلى موقع ربط الحمار خارج السوق في أحد جذوع نخل النارجيل، أو نستمر في المشي إذا وجدنا أن عسكر السركال (حرس القصر) قد أطلقوا رباط هذه الحمير ونهروها إلى خارج الأسوار.
كانت معظم الحمير تبقى للرعي تحت نخل بستان التميمي خارج السور، أما حماري (البطران) سامحه الله، فكان يتجه مباشرة إلى بيتنا في كدح الحافة. وبلغ به الدهاء أنه إذا وجد السدّة الخشبية الخارجية للبيت مغلقة، يضرب برأسه عليها حتى يفتح له أحد الباب، فيندفع سريعًا إلى حوش البيت الخلفي حيث الظل والطعام والماء، وأذهب أنا حاملًا أثقالي مشيًا إلى البيت.
هل كنا -برغم تواضع تعليمنا- أصدقاء للبيئة أكثر من أبنائنا وأحفادنا اليوم؟!
على الله عودة الماضي، مهما كانت العودة، دام ماضينا كان أكثر صداقةً للبيئة، ومتعايشًا معها أكثر من حاضرنا للأسف.
كان سكان جبال ظفار لا يقطعون ولا يحتطبون شجرة إلا بعد التأكد من أنها "لن تشرط" -أي تنمو من جديد باللهجة الظفارية- وكان هذا عرفًا بينهم كالقانون، قبل أن نعرف نحن وزارات وهيئات البيئة حاليًا وقوانينها في حماية الأشجار.