د. خالد بن علي الخوالدي
الإنسان بطبيعته يتعود على النِّعم التي يملكها، وقد يضرب بها وبأهميتها عرض الحائط، وقد يتأفف ويتضايق و(يتقمقم) يعني يكلم نفسه بصوت عالٍ، ومن بين هذه النعم التي أصبح البعض يتضايق منها (نعمة فعاليات العيد في المجتمع المحلي)؛ حيث تتميز سلطنة عُمان عن غيرها من الدول العربية بأجواء فريدة خلال عيدي الفطر والأضحى؛ حيث تحافظ على تقاليدها العريقة وتجسد روح التواصل الاجتماعي والفرح الجماعي، فمنذ صباح أول أيام العيد وحتى نهايته، تتنوع الفعاليات والطقوس التي تجعل العيد في عُمان تجربة لا تنسى، يغبطنا عليها الكثيرون من خارج السلطنة.
يبدأ صباح العيد في عُمان بصلاة العيد؛ حيث يتجمع المصلون في المصليات والساحات الكبيرة مرددين التكبيرات، مُعلنين بداية أيام الفرح، بعد الصلاة يتوجه الجميع إلى منازلهم ليجتمعوا في تجمع عائلي كبير حول مائدة العرسية أو العرسي، وهو الطبق العُماني التقليدي الذي يحضر من اللحم والأرز والبهارات المميزة، ليشكل وجبة دسمة ترمز إلى الكرم والتواصل الأسري.
بعد الوجبة تبدأ جولات السلام على الجيران والأرحام؛ حيث يتبادل الأهالي التهاني والزيارات، مما يُعزز أواصر المحبة والتكافل الاجتماعي، هذه العادة الجميلة تجعل الجميع يشعرون بأنَّ العيد مناسبة للجميع، وليس لفرد أو أسرة بعينها.
مع حلول المساء تبدأ الاستعدادات لتحضير اللحوم للمشوي والتنور؛ حيث يجتمع الرجال حول النار لتجهيز التنور، كما يعملون على تجهيز (الخصف) ووضع اللحم به مع ما يُصاحب ذلك من تعليقات وسوالف جميلة، بينما النساء يعملن على تجهيز اللحم بالبهارات المميزة، هذه الأجواء تُعيد إحياء روح التعاون بين أفراد المجتمع، وتجعل من العيد فرصة لتعزيز الروابط الاجتماعية.
في اليوم الثاني من العيد تبدأ الاستعدادات لتحضير المشاكيك، وهي قطع اللحم المشوية على الفحم، والتي تقدم مع الأرز والخبز العُماني، كما تقام في المساء العروض الفنية الشعبية مثل الفنون التقليدية كالرزحة والعازي، والتي تعكس الهوية العُمانية الأصيلة.
وتستمر فعاليات العيد أو ما يعرف محلياً بالعيود طيلة أيام العيد؛ حيث تنظم المسابقات والألعاب الشعبية، مما يجعل الأجواء مليئة بالبهجة والنشاط، ورغم أن هذه الفعاليات قد تكون مُتعبة للشباب الذين يشاركون في تحضيرها، إلا أنهم يجدون فيها متعة حقيقية وفرصة للتواصل مع الأهل والأصدقاء.
الكثير من العرب الذين يعيشون خارج عُمان يُعبرون عن تمنيهم قضاء العيد في السلطنة؛ حيث يشعرون بالفرق الكبير بين الأجواء العُمانية المليئة بالحيوية، وأجواء العيد الخالية من الفعاليات في بعض الدول الأخرى؛ ففي عُمان، لا ينتهي العيد بعد الصلاة، بل يتحول إلى مناسبة اجتماعية وثقافية ممتدة.
ومع ظهور أصوات تنادي بأنَّ الجو حار وأننا نريد التخلي عن هذه العادات، يأتي صوت العقل لينادي بأن على الجميع أن يحافظوا على هذه التقاليد العريقة، وأن يقاوموا أي محاولات للتخلي عنها تحت ذرائع التطور أو الكسل، فما يُميز عُمان هو تمسكها بهويتها وتراثها، وهو ما يجعلها نموذجا يحتذى به بين الدول العربية.
إن أجواء العيد في عُمان تختلف من محافظة إلى محافظة، ولكنها تتفق جميعها بأنها تمثل تراثاً حيًّا يعكس قيم المجتمع العُماني الأصيل، ومن واجب الأجيال الحالية والمقبلة الحفاظ على هذه التقاليد، لتبقى عُمان متميزة بفرحتها وتراثها العريق.
ودُمتم ودامت عُمان بخيرٍ.