◄ مواطنون يؤكدون أن عدم التمييز بين الرغبات والاحتياجات يزيد من التوتر الأُسري
◄ العجمي: التباهي بالإنفاق يزيد من الأعباء الأسرية ويفقد المجتمع المعاني الحقيقية للمناسبات
◄ الشحري: ارتفاع الأسعار أثر على سلوك الشراء لدى الكثير من الأسر
◄ الهاشمي: الأعياد تحولت إلى مواسم استهلاكية يغلب عليها طابع التفاخر
الرؤية- سارة العبرية
يقول عدد من المواطنين إنَّ المناسبات الدينية والاجتماعية قد تتحول إلى "كابوس مادي" على الأسر رغم أهميتها الكبيرة لدى مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وذلك بسبب انعدام ثقافة الإنفاق وعدم التمييز بين الرغبات والاحتياجات في سلوكيات التسوق، مضيفين :"من الملاحظ قبل وأثناء موسم الأعياد تكثر الحملات التسويقية والتنزيلات والعروض، وتزدحم الطرقات والأسواق بالمستهلكين لأن الكثيرين يستمتعون بالتسوق حتى ولو لم تكن السلع من ضمن قائمة الاحتياجات".
ويشير آخرون إلى أن الاحتفال بالأعياد طغت عليه المظاهر الاستهلاكية أكثر من القيم الروحية والاجتماعية التي تميز هذه المناسبة، إذ إن الإعلانات عبر منصات التواصل الاجتماعي ساهمت في تعزيز ثقافة التفاخر والمبالغة في الإنفاق، على حساب معاني التكافل والبساطة وصلة الرحم.
ويوضح محمد بن أحمد العجمي أن هناك تحولاً تدريجيا في بعض مضامين وجوهر هذه الأعياد والتي قد تصل إلى تفريغها من معناها الحقيقي، إذ يركز البعض على المظاهر الشكلية والبذخ في الإنفاق بدلاً من الاهتمام بالعبادات ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وإظهار التكافل المجتمعي؛ مبينا: "نجد البعض منشغلاً بالمبالغة في التجهيزات والمشتريات التي في الكثير من الأحيان لا تعكس جوهر هذه المناسبة الدينية العظيمة، وللأسف الشديد ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي في نشر بعض السلوكيات والعادات السلبية الدخيلة على المجتمع والتي لا تعكس محافظة المجتمع على هويته وتقاليده وعاداته، وهذا التحول قد يساهم في إضعاف هذه القيم الدينية والأخلاقية لهذه المناسبة، ولذلك يجب علينا جميعًا أن نعود إلى روح هذه المناسبات والتوعية بأهميتها والتصدي لهذه الظواهر السلبية والمظاهر السطحية".
وحول السلوكيات الاستهلاكية الخاطئة في موسم الأعياد، يقول العجمي إن الإفراط في الإنفاق أو الإسراف من أبرز المظاهر السلبية، وذلك بسبب غياب الوازع الديني، والتقليد الأعمى للآخرين، وحب الرياء والسمعة، وصحبة المسرفين، مضيفا: "تزيين المنازل بشكل مبالغ فيه ويتم تبديل بعض الأثاث، وهنا يتجلى التنافس والتباهي عند البعض وللأسف الشديد يتسبب ذلك في تكبد رب الأسرة ديون أو صرف مبالغ من المؤكد أنها ستؤثر على دخل الأسرة، وبات البعض منَّا يركز على شراء واقتناء الماركات والعلامات التجارية المعروفة والمشهورة وذات الثمن الباهظ حتى وإن كان الشخص غير قادر على شرائها، ولكن تأثير حملات الترويج والإعلانات والتنافس السلبي كل هذه العوامل مجتمعة تكون سببًا في كل ذلك، وللأسف البعض منا يكون مضطرا للاقتراض للحصول على هذه المنتجات".
ويؤكد العجمي أن مثل هذه المظاهر السلبية في المجتمع تكون على حساب قيم التكاتف والتعاون، لأنها تحدث فجوة بين الطبقات المجتمعية وهو عكس ما ينادي به ديننا وقيمنا، كما أن الإسراف والمبالغة في الإنفاق تزيد من القلق والتوتر والضغط على الأسر ذات الدخل المتوسط والمحدود للحصول على أفضل المنتجات، لتختفي بذلك السعادة الحقيقة في أيام العيد، لأن البعض ركّز كثيراً على الماديات بدلاً من البساطة، وهذا يُؤثر على صحته النفسية.
ويذكر العجمي: "على المستوى الاقتصادي، تتراكم الديون لأنَّ رب الأسرة لم يكن قادرا على توفير رغبات أفراد الأسرة فاضطر للاقتراض، ويؤثر ذلك على نفقات الأسرة في الشهور التالية، كما أن التسابق للحصول على المنتجات دون الحاجة الحقيقية لاقتنائها يزيد من الطلب عليها وبذلك ترتفع الأسعار وتتدهور القدرة الشرائية للفرد".
ويبيّن العجمي أنَّ الإعلانات التجارية بمواقع التواصل الاجتماعي تؤثر في سلوك الأفراد، من خلال استهداف بعض الفئات لزيادة رغبتهم في الشراء من خلال استعراض تلك المنتجات أو الخدمات بطريقة مثيرة وملهمة، إلى جانب تقديم عروض وخصومات قبل أيام العيد، ليتجاوز الأمر إلى قيام المستهلكين أنفسهم للتفاعل مع المحتوى الإعلاني ومشاركته، لينتشر بشكل أوسع ويكون له تأثير أقوى.
ويشدد العجمي على ضرورة تعزيز الوعي لتحقيق التوازن في الإنفاق والابتعاد عن هوس الشراء والمنافسة، وتشجيع المُبادرات المجتمعية التي تركز على الجوانب الدينية والروحية والاجتماعية للأعياد، مؤكدا: "نحن اليوم بحاجة لتعليم وتربية أبنائنا على عدم الانجراف خلف هذه المظاهر المادية والمبالغة فيها ، وهذا الدور يتحمله كافة أفراد الأسرة والمجتمع؛ فمناسبة العيد فرصة لصلة الرحم والزيارات وتعزيز العلاقات الاجتماعية والتعاضد بين أفراد المجتمع، ويجب أن ننبذ السلوكيات الدخيلة على مجتمعنا ونتصرف بوعي مجتمعي على نطاق واسع وعندها ستتلاشى هذه الظواهر السلبية".
من جانبه، يرى ناصر بن محمد الشحري أن الاستهلاك خلال الأعياد لا يزال في حدود المتطلبات الأساسية، وأن ما تغيّر في السنوات الأخيرة هو ارتفاع الأسعار، ما أثّر على سلوك الشراء لدى كثير من الأسر، موضحا أن الناس لاتزال تقتني احتياجاتها الأساسية وفق المتاح، لكن الفارق الأوضح اليوم هو في الكُلفة المادية.
ويلفت الشحري إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دورًا مزدوجًا خلال الأعياد، فمن جهة منحت الأفراد نافذة لتوثيق احتفالاتهم، لكنها من جهة أخرى أسهمت في خلق ثقافة التباهي المادي، حسب تعبيره، مضيفا: "قد تكون بعض هذه الممارسات ناتجة عن رغبة البعض في الإظهار أو الاستعراض، فبدلًا من توثيق اللحظات والمشاعر، أصبح التركيز منصبًّا على تصوير الماديات، وهذا سلوك غير صحي يتكرر كل موسم".
ولفت إلى أن تأثير مواقع التواصل لم يكن سلبيًا فقط؛ بل كان له جانبان إيجابيان بارزان، الأول على المستوى الاقتصادي، حيث استفادت الأسر المنتجة والشركات الصغيرة من هذه المنصات لتسويق منتجاتها وزيادة حركتها التجارية، أما الجانب الثاني، فهو تعزيز الهوية العُمانية؛ إذ "أصبحنا نشاهد العادات والتقاليد المختلفة لمناطق السلطنة وأطياف المجتمع، بل وتُصدر هذه الصورة للعالم، مما يعزّز صورة عُمان الثقافية والاجتماعية ويمنحها بُعدًا من القوة الناعمة".
ويقول الشحري: "ما يُلاحظ في بعض المناسبات هو اتجاه البعض لإثارة الجدل من أجل كسب المزيد من التفاعل، وليس لتقديم محتوى نافع أو هادف، وهذه الممارسة مرهقة للمجتمع ولا تضيف له قيمة حقيقية، والناس لاتزال متمسكة بالفرح وإدخال السرور على الأطفال، ومحافظة على عاداتها الاجتماعية والدينية، وتسعى لاستغلال المنصات الإلكترونية لهذا الغرض، لكن من المهم أن نوجّه هذه المنصات نحو الإيجابية والوعي، بدلًا من المبالغة في التفاخر أو إثارة الجدل".
وفي السياق، يوضح عبدالله بن سالم الهاشمي أن الأعياد في كثير من المجتمعات فقدت جانبها الروحي والاجتماعي، وتحولت تدريجيًا إلى مواسم استهلاكية يغلب عليها طابع التفاخر بالمظاهر والمشتريات، مشيرًا إلى أن هذا التحول يغذّيه التسويق المكثف والإعلانات وثقافة المقارنة المنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي.
ويتابع قائلا: "بعض السلوكيات المرتبطة بهذه الثقافة تشمل الشراء المفرط بدافع الظهور، والإسراف في الطعام، والاهتمام بالمظاهر أكثر من القيم، وصولًا إلى الاستدانة من أجل مجاراة نمط استهلاكي لا يعكس جوهر المناسبة، وهذه السلوكيات لا تخلق ضغطًا ماليًا فقط؛ بل تؤدي أيضًا إلى إرهاق نفسي وشعور بالنقص لدى من لا يستطيعون مجاراة هذا النمط، إلى جانب تعميق الفجوة الاجتماعية وتعزيز قيم الاستهلاك على حساب التراحم والبساطة".
ويرى أن وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات أصبحت من أقوى المؤثرات على سلوك الناس في العيد، فهي ترسم صورة نمطية مضلّلة مفادها أن الفرح لا يكتمل إلا بالتسوّق والولائم والهدايا باهظة الثمن، مما يسلب العيد روحه الأصلية، مؤكدا: "الفرح لا يُقاس بما نشتري؛ بل بمن نُسعد وبما نقدمه من حب وبساطة، وليس مناسبة للتفاخر والديون، وفرصة للتراحم وصلة الرحم والرضا".