الفردوسي.. صاحب أطول ملحمة في التاريخ

 

 

عيسى الغساني

حضارة فارس واحدة من أهم وأقدم الحضارات الإنسانية عبر الأزمان، وعاصر السومريون 2700 قبل الميلاد حضارة العيلاميين في جنوب غرب إيران، لكن المنعطف التاريخي حدث 550 ق.م حين ظهرت الإمبراطورية الأخمينية وقورش الكبير؛ حيث يُعدُّها المؤرخون بداية حضارة فارس بمفهومها الإمبراطوري. ووحد قورش الكبير الشعوب الفارسية والميدية، وأنشأ إمبراطورية امتدت من الهند شرقًا إلى اليونان غربًا.

وتزامنت الفترة الأخمينية مع مدن الدول في اليونان مثل أثينا وإسبرطة ومقدونيا وكذلك مع ممالك "ماجادها" ومع الحضارة المصرية القديمة ومع بابل. ويرى المفكر الإيراني البارز على شريعتي بأنَّ الحضارات تنمو وتتداخل نتيجة الهجرات البشرية فينتقل مركز الحضارة من منطقة إلى أخرى. وفارس في عصرها الذهبي كانت بحق تشكل مركز الحضارة الإنسانية.

ويُعدّ أبو القاسم الفردوسي أحد أعظم شعراء الفارسية، وهو صاحب الملحمة الشعرية الشهيرة "الشاهنامه" (أي كتاب الملوك)، التي تُعد أطول قصيدة ملحمية (تقع في نحو 60 ألف بيت). استطاع الفردوسي من خلال هذه الملحمة أن يحفظ اللغة الفارسية، ويخلّد تاريخ إيران القديم بأسلوب شعري بديع.

وُلِد الفردوسي عام 940م في مدينة طوس، التي كانت جزءًا من خُراسان الكبرى. ومنذ صغره، أبدى اهتمامًا كبيرًا بالأدب والتاريخ، مما دفعه إلى البحث في الروايات التاريخية والأساطير الفارسية القديمة. 

بدأ الفردوسي في كتابة الشاهنامه بعد وفاة الشاعر الدقيقي، الذي كان قد بدأ في نظمها لكنه توفي قبل إتمامها. استغرق الفردوسي 30 عامًا في تأليف هذه الملحمة، التي تضم حوالي 60 ألف بيت شعري، وتروي تاريخ إيران منذ العصور القديمة وحتى اضمحلال الإمبراطورية الساسانية.

مقاطع شعرية من الشاهنامه:

"إذا ما ضاقت الأرضُ بالهموم،

فلا تيأس، فالنورُ في القلبِ يدوم،

فمن يسعى بعزمٍ نحو الأمل،

يجدُ الفجرَ في خطاهُ يحوم

مقطع اخر للفردوسي؛ حيث يتحدث عن الشجاعة والمجد:

"إذا ما اشتدَّت الرياحُ في الدروب،

فلا تخشَ، فالنورُ في القلبِ لا يغيب،

فمن يسعى بعزمٍ نحو العُلى،

يجدُ المجدَ في خطاهُ القريب.

ولذا يظل الفردوسي أحد أعظم شعراء العالم؛ حيث استطاع أن يخلّد تاريخ أمته بأسلوب شعري رائع، وأن يحافظ على اللغة الفارسية.

ويُمكن القول إن الشاهنامه ليست مجرد قصيدة؛ بل هي سجل تاريخي وثقافي يعكس عظمة الحضارة الفارسية.

الأكثر قراءة