فاطمة الحارثية
استطاعت بعض المدونات أن تهدم جهودا عظيمة، وبضع كلمات أخرى كادت أن تصنع من الجهل رأيا؛ "على هذه الهشاشة نعيش"، هل تستوعب معي ذلك؟ خلطنا الصفات فـأصبح كل من مُعلق..."مؤثر"، وكل من علا صوته على المواقع المختلفة "ناشط"، وكل من سكب بعض الحبر "مدوناً"، نحن من أعطينا للجهل هيبة، ولراصف المفردات العقيمة قيمة، والأكثر عجبا، أسميناهم بصفات عظيمة مثل "مؤثر" و"ناشط اجتماعي" و"مشهور"، وغيرها من الوصف، البعيد كل البعد عن حقيقتهم، شتان بين الواقع والقصد اللغوي والسلوكي.
"المؤثر" ليست صفة عادية، ولا يمكن أن يكون له أتباع ولا قطيع، في اللغة الدارجة "متابعين"، عكس المشهور تماما، فهو في الأساس يتأهل لنعته مشهورا، عند زيادة عدد المتابعين له والمقلدين، في كل أمر يقوم به غثا كان أم قيما، ولا يمكن الاستهانة بالمتطرفين منهم؛ ونجد أن الوعي هو ما يضع الأمور في نصابها، ويسمح لنا أن ننقل للنشأة ماهية الأمور، حتى نقيهم من سلبيات السعي نحو شهرة ضعيفة القيم والمبادئ، فقد يراها الكثير من الناس أنها مسلية ولا بأس منها، لكنها ليست كذلك فالشهرة العقيمة قد تودي بصاحبها في غياهب جحيم الدنيا والآخرة.
عندما يتكرر على مسمعك، أمر ما ومن أكثر من شخص، تعمل ذاكرتك على المقاربة، وللحصول على الفهم الأقرب للحقيقة، أجدني أتعمق أكثر وأكثر، من مجرد المقاربة، أو القصد الظاهر والمبطن، واستشف ذلك من خلال لغة المفردات والجسد التي اختارها المرسل، للتأثير عليَّ في قياسي للأمور، للأمانة بالنسبة لي هذه أفضل الطرق التي استخلص منها مشاعر المتحدث، وصدق حديثة وإذا كان يُبالغ أو له في نفسه مآرب أخرى.
المؤثر الحقيقي لا يُغير رأي الناس من حوله، ولا يرغب أن يُقلدوا فعله أو معتقده، بل من يستطيع أن يؤثر على حياة المتلقي على المستوى الفردي، وصُناع القرار على المستوى الجماعي، ولن تجده أبداً على رأس الطاولة، وليس لديه صوت رنان عالٍ، يُدرك عمق الكلمة التي يقدمها للجموع، ويتقي الله سبحانه وتعالى في وعي تام، لمغبة مثل هذه الهبة والمهارات التي تصاحبها، ولنحترم الفروقات، ولا ننعت الناس بما ليسوا أهلاً له، وليس كل رأي ظهر على منابر التواصل الاجتماعي، يسمح لنا أن نحول صاحبه إلى مؤثر أو مشهور، وليس علينا أيضًا أن نتفاعل معه، خاصة إن كانت مذمة من ناقص.
يكرس عدد كبير من الناس أنفسهم، من أجل جذب الانتباه، وأغلبهم لسد عقدة الحب والاضطراب العاطفي أو الاجتماعي لديهم، ولا يجب على كل مجتهد مخلص، أن يتأثر بأمثالهم وآرائهم لأنها تفتقر إلى الإخلاص والصحة الفكرية، ولا أن يسمح لمفاهيمهم الناقصة والمضللة، أن تأخذ حيزا في بلورة علاقاته مع الآخرين، ومناشطه، وإخلاصه في أدائه، لا ريب أن ارتداد الكلمات على مسامعنا يصنع الكثير من الفوضى، سواء الفوضى الخلاقة أو الفوضى الهدامة، وبأيدينا أن ننغمس في تلك الكلمات، ونترجمها على هوانا لنسمح لها أن تفعل بنا ما نشاء.
لن تقوم المجتمعات إلا بشباب واع، يضع كل كلمة في محلها، وكل أداة في موضعها، وكل إنسان في مكانته الصحيحة دون ضرر ولا تفريض، جميعنا نستحق العيش بسلام خلال السنوات التي قدرها الله لنا، والسلام لا يعني الخمول والكسل والبذخ، بل هو الشعور الذي يُسهل علينا إتمام الابتلاءات، والصبر على الشقاء والسعي وتعب الحياة، على أكمل رضا لما قُدر لنا.
وإن طال...
الخطوات الصغيرة المتتالية، هي الطريقة الأسرع نحو النمو والتنمية، تصنع التوازن المطلوب وتُبعد العيون المُفسدة، ونادرًا ما تصنع جعجعة تؤرق من على وتيرتها، ونتائجها مُفاجآت جميلة مستمرة ومستدامة، تسر المتابع والمشاهد والعامل عليها.
من الحماقة أن تستصغر جهدًا لم تعشه يومًا؛ لأن عقلك المحدود لا يقدر أن يرى النتائج.