أنور الخنجري
رغم محدودية المساحات في مدينتنا العريقة مطرح، إلّا أنَّ الواقع يكشف عن عدد كبير من المواقع غير المستغلة التي تمثل طاقة حضرية مُعطلة. من مبانٍ مهجورة إلى مرافق عامة مغلقة أو ساحات بلا وظيفة، تنتشر جميعها في قلب المدينة وواجهتها البحرية، دون رؤية واضحة لاستثمارها.
ومن أبرز هذه المواقع مثلًا المدارس المغلقة التي تحولت إلى كتل إسمنتية صامتة في أحياء مكتظة بالعمالة الوافدة، بينما يمكن أن تتحول إلى مراكز تأهيل مجتمعي أو مراكز تدريب مهني أو غيرها من المشاريع الحيوية، بدلا من بقائها هكذا عرضة للاستغلال غير الأخلاقي. هناك كذلك مبنى موقف السيارات في الشجيعية، الذي شبع مداولة ونقاشًا، ومازال يشغل مساحة استراتيجية دون أن يؤدي دوره الحيوي الذي أنشئ من أجله، ألم يحن الوقت الآن لاستغلاله بعد أكثر من خمسة عشر عامًا من المداولات القانونية بين أطراف ينقصها التخطيط والتنسيق السليم؟
وفي السياق ذاته، يقف مبنى سوق الأسماك بتصميمه الرائع، بإطلالته البانورامية على كورنيش مطرح كمثال آخر على مرفق حيوي لم يحظَ بالاستغلال الأمثل، خاصة الجزء العلوي منه الذي بقي مُغلقًا منذ إنشاء السوق قبل أكثر من ثمان سنوات مضت، رغم موقعه وقيمته الاقتصادية المُهمة.
أما حديقة ريام، ذات الإطلالة والطابع الطبيعي المميز، فحدِّث ولا حرج، هي الأخرى تعاني من إهمال طويل رغم ما قيل عنها أنها قابلة للتحول إلى وجهة بيئية وسياحية مفضلة. ولا يغيب عن المشهد كذلك مجسم المجمر بالجوار، وهو بمثابة رمز المدينة والمشرف على جمالياتها الجبلية والبحرية، لكنه لم يعد يحمل أي دلالة معنوية أو رمزية بعد أن أصيب هو الآخر بعدوى الإهمال والنسيان.
هناك أيضًا متحف بيت البرندة، المبنى التاريخي الذي فقد دوره الثقافي في ظل غياب مشروع فني يُعيد له مكانته ومعناه. أما في الطرف الآخر من المدينة فيمتد مرفأ عينت وما يحيط به من مساحات شاسعة من الفراغ العمراني، هو أيضا يعتبر فرصة ضائعة لإنشاء مرافق سياحية بحرية أو خدمات مجتمعية مفيدة. إن ما ذكر أعلاه ليس سوى بعض النماذج الحية لمواقع ومرافق كان يمكن أن تكون مصدر فخر ومنفعة، لكنها تحولت إلى شواهد صامتة على غياب التخطيط وسوء التنسيق.
الملفت أن هذه المواقع- رغم تباين حالاتها- تشترك في غياب الرؤية والتخطيط الفاعل، فبعضها يواجه تعقيدات قانونية، وبعضها الآخر يعاني من الإهمال المزمن أو غياب التمويل. لكن الأهم، أن غياب التنسيق بين الجهات المعنية يجعل من استغلال هذه المساحات مشروعًا مؤجلًا إلى أجل غير مسمى.
إنَّ تطوير هذه المواقع ليس ترفًا؛ بل ضرورة حضرية واقتصادية، وإعادة توظيفها يعزز من كفاءة المدينة، ويوفر خدمات وفرصًا جديدة للمواطنين، ويُعيد الحياة إلى أماكن أصبحت عبئًا بصريًا ونفسيًا على سكانها.
في الختام.. نحن بحاجة إلى خارطة حضرية شاملة، تُعيد تقييم هذه المواقع والمساحات، وتطلق مبادرات تشاركية بين البلديات والمجتمع المحلي والقطاع الخاص؛ فكُل فراغ غير مستغل، هو فرصة تنتظر من يراها. نأمل أن يُنظر إلى هذه المواقع بعين التخطيط لا الإهمال، وبعين المشاركة لا الاحتكار. فكل زاوية غير مستغلة هي فرصة مهدورة، وكل مبنى مغلق هو تاريخ وثروة تنتظر من يعيد إليها النبض. ونحن- كمواطنين نعيش هذه المدينة يومًا بيوم- لا نطلب المعجزات؛ بل نطالب فقط بتفعيل الإمكانيات الموجودة، وإعادة الحياة إلى الأماكن المنسية.